النضج والمرونة السياسية التي تمتعت بها الإمارات، طيلة الخمسين عاماً الماضية، جعلها تدخل العام 2021 منتصرة على التحديات الكبرى التي واجهت دولاً كثيرة في المنطقة والعالم، وبفضل رؤية متكاملة طويلة المدى للقيادة الرشيدة الفذة، وباستخدام القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية، وكذلك توظيف القوة الدبلوماسية والناعمة، تمكنت من تعزيز مكانتها السياسية، على المستويين الإقليمي والعالمي، وحجز مقعد لم يكن شاغراً في الصف الأول، للدول المستقرة المتقدمة.
تدخل الإمارات العام 2021، وهو العام الذي تحتفل خلاله باليوبيل الذهبي، لتأسيس الاتحاد، وتحتفل أيضاً بإنجازات قلّ مثيلها، مقارنة مع دول في العالم، تأسست قبل عشرات أو مئات السنوات ولكنها ما زالت في مكانها، لم تحقق شيئاً يذكر، والفرق الذي يلاحظه بسهولة، معظم من يرصدون التطور والإنجاز، أن الإمارات تمتعت بقيادة حكيمة مخلصة، أحسنت بحنكة بالغة، وأمانة عظيمة، من توظيف كافة موارد الدولة، الكبيرة والصغيرة، لإقامة البنى التحتية المتطورة، إلى جانب بناء وتأهيل الموارد البشرية الإماراتية، على أعلى مستوى إنساني وإجتماعي وعلمي.
لم تتوقف القيادة الإماراتية، خلال الخمسين عاماً الماضية، يوماً واحداً لالتقاط الأنفاس التواقة للمجد، فتلك النفوس العظيمة، كانت منشغلة دائماً، بوضع الرؤى والاستراتيجيات والخطط الحديثة، كصك وعهد مكتوب لا يقبل النقض، يضمن ضمانة حقيقية تأمين الحياة الكريمة والرفاهية لشعب الإمارات، وكذلك متابعة تنفيذ تلك الخطط، ومراقبة جدولها الزمني، بدقة متناهية، يشتمل على التقييم الدوري، والتحسين المستمر، لتحقيق النتائج المبهرة.
يأتي العام 2021، بعد عاصفة كوفيد 19، التي غيّرت وجه البشرية، وأعادت ترتيبه، ولكن الإمارات كانت واحدة من دول قليلة جداً في هذا العالم، تمكنت من اختراق العاصفة، وليس الانحناء لها، فقدمت على الصعيد السياسي مبادرة سلام تاريخية عالمية، وتوقيع الاتفاقية الإبراهيمية، وبثّ روح السلام والمؤاخاة في المنطقة والعالم، وعلى صعد أخرى، منها الإنساني والعلمي والاقتصادي، قدمت معونات طبية لأكثر من 100 دولة في العالم، وأطلقت مسباراً للمريخ، ودشنت محطة للطاقة النووية السلمية، وأحرزت المراكز الأولى في المؤشرات الحيوية العالمية.
في العام 2021، سيكون الاحتفال بالخمسين احتفالاً شاملاً، ليس للإنجازات الكبرى في الخمسين عاماً الماضية فحسب، بل بتحقيق وإعلان نتائج رؤية الإمارات 2021 التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في اجتماع مجلس الوزراء في العام 2010، بهدف أن تكون دولة الإمارات ضمن أفضل دول العالم بحلول اليوبيل الذهبي للاتحاد. وتكونت من ستة محاور وطنية تمثل القطاعات الرئيسية وتشمل (نظام صحي بمعايير عالمية، نظام تعليمي رفيع المستوى، مجتمع آمن وقضاء عادل، مجتمع متلاحم محافظ على هويته، بيئة مستدامة وبنية تحتية متكاملة واقتصاد تنافسي معرفي مبني على الابتكار)، فحققت رؤية الإمارات 2021 أهدافها كاملة، وبأعلى المعايير العالمية.
الاحتفال بالخمسين، وبتحقيق رؤية الإمارات 2021، لن يكون مجرد منصة أو محطة في تاريخ دولة الإمارات، بل سيكون عاماً تحظى فيه الرؤى والاستراتيجيات التي وضعت للخمسين عاماً القادمة، بشارة البدء والعمل، في كافة المجالات، وعلى جميع المستويات، وعلى رأسها تأمين وحماية المنجزات العظيمة والإرث الحضاري والإنساني والاجتماعي العريق لدولة الإمارات، وتنفيذ رؤية الإمارات 2071 التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والمستمدة من المحاضرة التاريخية التي ألقاها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي رسم فيها الخطوط العريضة لتجهيز دولة الإمارات للأجيال القادمة، وكذلك تنفيذ رؤية سموه، بالتجهيز للاحتفال «بتصدير آخر برميل نفط»، من خلال تنفيذ البرامج الوطنية الشاملة والمحدثة لاقتصاد متنوع ومستدام.
في الذاكرة البشرية، وفي ذاكرة وقلب شعب الإمارات جميعاً، يبقى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، حاضراً متوهجاً، وتظل رؤاه المشعة، التي تأسس عليها الاتحاد، منارة تضيء المستقبل القادم، فتفتح له الأفق وتعينه على مواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات، وبلوغ أعلى مراتب المجد، والتي تحقق معظمها في الخمسين عاماً الماضية، وسيتحقق ما تبقى منها، خلال الخمسين عاماً القادمة، بإذن الله تعالى.