لا شك في أن العالم أحوج ما يكون هذه الأيام إلى إعلاء قيم الأخوة وترسيخ المشتركات الإنسانية بين البشر، ليس لمواجهة تيارات التعصب والتطرف والتمييز التي تجتاح العديد من مناطق العالم، وتقف وراء حالة الفوضى وعدم الاستقرار السائدة في المشهدين الإقليمي والدولي فقط، وإنما لإعادة الاعتبار إلى منظومة القيم والأخلاق في العلاقات الدولية أيضاً، التي شهدت تراجعاً لافتاً للنظر مع ظهور جائحة كورونا «كوفيد-19»، والتي أظهرت سيطرة قيم الأنانية والنفعية والمادية في العلاقات بين الدول، ومع تزايد خطر الجماعات المتطرفة والإرهابية التي تعمل جاهدة وبالوسائل كلها على نشر بذور الكراهية والتعصب بين الشعوب والمجتمعات المختلفة.
في هذا السياق فإن تبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع مؤخراً المبادرة التي تقدمت بها دولة الإمارات العربية المتحدة، باعتبار يوم 4 فبراير من كل عام «يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية» ابتداء من العام المقبل 2021، يعد بلاشك مبادرة حضارية وإنسانية تنطوي على قدر كبير من الأهمية، ليس لتوقيتها فقط، وإنما لمضمونها والأهداف الراقية التي تسعى إلى تحقيقها أيضاً، وفي مقدمتها ترسيخ القيم الإنسانية المشتركة، كتقبل الآخر والانفتاح والتعاطف والتضامن في مواجهة التحديات، واحترام الأديان والمعتقدات الإنسانية المختلفة، والعمل على تعزيز التسامح والتعايش، باعتبارها منظومة القيم المركزية التي تؤمن بها الأديان كلها، وتتطلع إليها الشعوب كافة من أجل بناء عالم خال من الصراعات والحروب المدمرة.
هذه المبادرة تقدم حلولاً للكثير من الظواهر السلبية التي تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي على حد سواء، فهي من ناحية تتصدى لموجات التطرف والتعصب بمظاهره المختلفة، سواء كان مصدرها جماعات إسلاموية أو يمينية متطرفة، والتي تقف وراء خطاب الكراهية وعدم القبول بالآخر، كما أنها من ناحية ثانية تؤسس لثقافة عالمية جديدة تتخذ من الأخوة الإنسانية، ومبادئها القيمية والعملية، التي ترسخ لثقافة السلام والتسامح والتعايش المشترك بين الثقافات والأديان والتضامن مع البشر في أوقات المحن والأزمات، بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو معتقدهم، منهجاً في احتواء مصادر التوتر التي تهدد الأمن والسلم الدوليين. 
إن اعتماد الرابع من فبراير يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية يعكس التقدير الكبير لدولة الإمارات العربية المتحدة التي قدمت هذه المبادرة إلى الأمم المتحدة بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر، وهي مبادرة مأخوذة عن وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في أبوظبي في الرابع من فبراير 2019، بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وقداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وتستلهم مبادئها من هذه الوثيقة التي تؤكد احترام الأديان وقدسيتها، وعدم الزج بها في أتون الصراعات المذهبية والطائفية، وتشدد على أهمية القبول بالآخر والتعايش معه، باعتبارها من أهم سمات الأخوة الإنسانية التي تتيح لجميع البشر العيش في أمن وسلام ورفاه وازدهار. اتجاهات عالمية
 
*مركز تريندز للبحوث والاستشارات.