كل قارة أفريقيا التي تضمُ 54 دولة، والتي بها بعض من أقل الأنظمة الصحية تطوراً في العالم، سجلت في الشهور التسعة الماضية وفيات من الفيروس أقل مما تسجله الولايات المتحدة في يوم واحد. صحيح أن الاختبارات محدودة بالمقارنة، لكن القارة بعيدة فيما يبدو عن التوقعات الكارثية التي تنبأ بها خبراء الصحة العالمية. والعلامات التي تبرز شدة التفشي في مناطق أخرى مثل المستشفيات المزدحمة وصعود أعداد الوفيات، لم تظهر إلا في عدد قليل فحسب في الدول الأفريقية. وعمليات المسح التي أجرتها منظمة الصحة العالمية توصلت إلى وجود زيادة لا تُذكر في معدلات الوفيات التي نسبت إلى كورونا في معظم الدول الأفريقية مما يقلص الاشتباه في عدم إحصاء كثير من وفيات كوفيد-19. والبيانات شحيحة، وحتى مع ظهور المزيد من الأبحاث، يرى خبراء في الصحة العامة أن أسباب بقاء حالات الإصابة في أفريقيا منخفضة ستظل معقدة. 
ولا يرجح «نجوي نسينجا»، عالِم الأوبئة الكونجولي ومدير برنامج الاستجابة للطوارئ في أفريقيا بمنظمة الصحة العالمية، وجود إجابة وحيدة حاسمة تفسر هذا. وأضاف «شباب السكان والمناخ الأكثر دفئا وقضاء وقت أقل في أماكن مغلقة والسفر الأقل والسمنة الأقل ومرض السكري الأقل والحصانة من أمراض أخرى، حتى من أنواع أخرى من فيروسات كورونا، كل هذا يلعب دورا فيما نعتقد، لكن ما يميز أفريقيا عن مناطق أخرى مثل البرازيل التي تتشارك في هذه العوامل لكنها مازالت متضررة بشدة، هو تدخلنا البشري». فكل الدول الأفريقية أغلقت حدودها الدولية في وقت مبكر من الجائحة. وكثير من دولها فرضت إغلاقات محلية وحظر تجول وحظرت أنشطة اجتماعية حتى قبل تسجيل أولى الحالات فيها. واتفق «نسينجا» وخبراء آخرون على أن هناك تراخياً في الالتزامات الأخرى مثل ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي لكن تطبيقها في وقت مبكر إلى جانب تطبيق إجراءات اشد صرامة أتت أوكلها في كبح صعود الإصابات. 
وهذه التدخلات تسببت في ضرر اقتصادي هائل، لكن مع عدم تعرض كثير من الحكومات الأفريقية لزيادة خارجة عن نطاق السيطرة في الإصابات، قلصت الحكومات هذه التدخلات في مناطق كثيرة. فقد أغلقت غانا والسنغال والكاميرون، على سبيل المثال، بعضا من مراكز العلاج الخاصة بعد التقلص المتواصل في عدد المرضى. وكان المسؤولون في العاصمة الكاميرونية ياوندي قد حولوا استادا لكرة القدم إلى منشأة للحجر الصحي مخافة تفاقم الأمور. لكن الرياضيين استعادوا الاستاد قبل ثلاثة شهور. وفي السنغال، انخفض عدد مراكز معالجة كوفيد-19 من 23 إلى 14 مركزا. والمطاعم وأماكن السهر تعج بالمرتادين. وحفلات موسيقى دي. جي. عادت إلى الشواطئ. لكن مسؤولي الصحة حذروا من أن الخطر لم ينته بعد حتى إذا لم تمتلئ المستشفيات. 
وتسجل أفريقيا ما بين 10 و12 ألف إصابة في اليوم وتقترب من القمة التي بلغتها في يوليو الماضي حين سجلت 14 ألف إصابة. ويشكك «ندونجو ضياء»، رئيس معمل تشخيص فيروسات الجهاز التنفسي في «معهد باستير» في العاصمة داكار في مدى تفادي السنغال أسوأ ما في الجائحة. فقد حظيت البلاد بمديح واسع النطاق لاستجابتها السريعة على الجائحة. ويرى ضياء أنه بالإضافة إلى هذا فإن «التركيبة السكانية من حسن طالعنا. فعدد الحالات الحادة ستكون أدنى بكثير مقارنة مع الدول الشمالية التي بها عدد أكبر من كبار السن». 
ويُشكل السكان الذين تقل سنهم عن 25 عاما نحو 60% تقريبا من سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. والسكان الذين تزيد سنهم عن 65 عاما وهم الفئة العمرية الأكثر عرضة للإصابة لا يمثلون إلا 3% من إجمالي سكان هذه المنطقة. ومعدلات الوفيات أعلى في جنوب أفريقيا والجزائر ومصر وتونس حيث نسبة السكان فوق 65 عاما أكثر. والدول الأربع تلك تمثل ثلثي الوفيات في كل أفريقيا. والتحليلات الأولية التي أجرتها منظمة الصحة العالمية توضح أن هناك احتمال مضاعف في أن يصاب الأفارقة بالفيروس دون ظهور أعراض عليهم وأن أكثر من 80% من الحالات في القارة لا تظهر عليها أعراض وهي نسبة أعلى بكثير من المناطق الأخرى في العالم. وهناك افتراضات يرى كثيرون من علماء الأوبئة الأفارقة أنها تستحق دراسة أكبر وتتعلق باحتمال توافر مستويات معينة من المناعة ضد فيروس كورونا نتيجة التعرض لأمراض معدية أخرى، وهي كثيرة في أفريقيا، أو لقاحاتها التي يتم تلقي الكثير منها بعد الميلاد مباشرة. 
ويرى ياب بوم، عالم الأوبئة الكاميروني والممثل الإقليمي لجماعة "إيبكسنتر أفريكا" الذراع البحثية لمنظمة أطباء بلا حدود، "إننا معرضون في غالب الأحوال إلى عدد كبير من الحشرات ومسببات الأمراض مثل الملاريا والتيفود والتهاب السحايا وغيرها كثير. وهذا قد يكون مختلفا عما لديكم في الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق أخرى". 
وأكد كريستيان هابي، مدير المركز الأفريقي للتميز في جينيات الأمراض المعدية في بلدة ايده بجنوب غرب نيجيريا قائلا «تعامل مع الأوبئة وتفشي الأمراض منذ عقود. الناس يتعلمون طريقة التعامل مع الأمراض أفضل من الدول التي لم تعان من مثل هذا الشيء».

 ماكس بيراك* ودانيال باكيت**
*رئيس مكتب واشنطن بوست في نيروبي. 
رئيسة مكتب واشنطن بوست في غرب أفريقيا. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»