يطل علينا بعد أيام العام الميلادي الجديد، حاملاً معه أسراره وخباياه التي ستتكشّف لنا شهراً بعد شهر. يطل بعد أن عاش سكان الكرة الأرضية طوال العام الحالي وضعاً صعباً لم يعيشوه من قبل ولم يتعرفوا على شبيه له خلال العقود السبعة الأخيرة. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يشترك سكان العالم في تجربة كونية واحدة، فقد تفرقت بهم سبل الأزمات على الخارطة العالمية، وانفصلت عُرى معاناتهم عن بعضها، وصارت المشاكل والكوارث الإنسانية ذات ألوان مختلفة بحسب المكان والزمان وهوية الشعوب.
فيروس كورونا استطاع لوحده، وبقدرات مجهرية لم يتفق العلماء حتى اليوم على طبيعتها، أن يجعل من النرويجي أخاً في الإنسانية للموزمبيقي، وأن يجعل البيروفي متشاركاً للقلق والتوجس والأمل مع الكونغولي. كورونا (الفيروس الصغير الذي لا يُرى بالعين المجردة) جمع سكان الكوكب في معاناة واحدة، ووحد همومهم وجعلهم يتبارون في بناء مصدات حماية تُبقي على وجودهم وتؤمن سلامتهم.
يطل العام الجديد 2021، وشعوب العالم متوحدون في مواجهة فيروس كورنا، لكن هل هم فعلاً كذلك على مستوى باقي التطبيقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟. النظرية تقول نعم، لكن الواقع يقول لا، فالأزمات السياسية ما زالت تُشكل أمزجة الشعوب تجاه بعضها البعض، والخلافات الدينية والعرقية ما زالت تصنع الفواصل والحدود بين الجيران. والاقتصاد ما زال يصنع الفارق الأكبر بين شمال الخارطة وجنوبها.
العالم اليوم ربما أكثر اعتناقاً للمزاج «الانفصالي»، وأكثر ميلاً - أكثر من أي وقت مضى- نحو تعظيم الدولة الوطنية على حساب الدخول في تكتلات سياسية واقتصادية، وهذا سيقود بلا أدنى شك إلى تنامي وتعاظم الشعور القومي لدى الشعوب، ما قد يصنع أجواء شبيهة للأجواء التي كانت قائمة قبل الحربين الأولى والثانية.
والأزمات السياسية التي كان صوتها يطغى في أحايين كثيرة على صوت مأساة كورونا، ستظل كما هي، إذ لا مؤشرات انفراج في العديد منها. وحدها «معضلة البريكست» قد تجد حلاً يتناسب مع المصالح البريطانية والأوروبية على حد سواء، وقد لا تجد، وفي الحالتين فإن تأثيرها الجذري لن يتجاوز الحزب الحاكم في بريطانيا. أما بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة فستحتاج إلى أكثر من 12 شهراً لتستطيع ترميم ما أحدثته الانتخابات الأخيرة من انقسام في المجتمع الأميركي. لن يستطيع بايدن وفريقه أن يعبروا المحيط الأطلسي ليشاركوا في تغيير أزمات العالم، إن تعقيداً وإن تبسيطاً، إلا في عام 2022 وربما أيضاً في العام الذي يليه.
العام الجديد سيأتي محملاً بالخيبات الاقتصادية التي خلفها فيروس كورونا، والتي لن تستطيع معها بعض الدول أن تتقدم للمستقبل كما كانت تخطط في العام 2019، وهذا سيسهم ربما في تغيير بعض التحالفات السياسية القائمة الآن، فالحركة للأمام تستلزم تنازلاً سياسياً من أجل معونة اقتصادية.
تغيير في التحالفات السياسية وأجواء شبيهة بأجواء ما قبل الحرب العالميتين. هكذا يمكننا أن نختار عنواناً للمقال من خاتمته!
*كاتب سعودي