مرت اللغة العربية بتحديات وأزمات كحال أهلها وأبنائها في أزمنة مختلفة، وقد تعرّضت للتهميش في كثير من الدول العربية، أي في عقر دارها، حيث أُقصيت أحياناً بسبب الإهمال وعدم اللامبالاة، أو أحياناً بقصد أو بفعل فاعل من بعض القائمين عليها والمعنيين بالمحافظة على حمايتها من الأخطار والتهديدات التي تواجهها، لاسيما من جانب اللغات الأخرى. وربما تجاهلها بعض أبنائها، رغم أنها لغة القرآن، ولغة الأمة العربية والإسلامية، ولغة أهل الجنة.
لقد تعرضت اللغة العربية لمحاولات طمس وإضعاف، في أكثر من بلد ومكان. ومما زاد الطين بلة والأمور تعقيداً وخطورة بالنسبة لها، أن لغة أخرى أصبحت تزاحمها في عقر دارها، ألا وهي الإنجليزية التي أصبحت لغة التواصل بين أمم الأرض، وذلك لأنها لغة العلم والاقتصاد والمال والأعمال والتكنولوجيا الرقمية الدقيقة، ما أضعف مكانة اللغات الأخرى. 
وفي الوقت ذاتها كانت اللهجات المحلية قد عززت انتشارها، ورسخت مكانتها على حساب اللغة العربية الفصحى، ما ساهم في إضعاف مكانة الأخيرة، وأدى إلى تشويهها في بعض الأحيان، إذ بات استخدام اللغة يتم من دون رقيب ولا حسيب ولا أي نوع من الحماية للغة وقواعدها الصحيحة. وهكذا أصبح يجري استخدام اللغة بشكل ضعيف ومكسَّر، أي من دون ضوابط نحوية وإملائية.
وفي خضم هذا الواقع، حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف الـ18 من ديسمبر من كل عام، تكريماً لهذه اللغة وتذكيراً بأهميتها الكبيرة. وقد احتفلت العديد من مؤسسات الدولة بهذا اليوم المهم، على نحو يثلج الصدر ويرفع معنويات المهتمين بلغة الضاد ودورها وتأثيرها وجمال مفرداتها العذبة وتفاصيل مضامينها الراسخة، لأنها من اللغات الخمس الأكثر أهمية في العالم والأوسع استعمالا والأسرع انتشاراً بين شعوب الأرض. وهي من اللغات السامية، بل هي أمها، كما أنها لغة شعائرية رئيسة ولغة الأدب والشعر والثقافة والنقد والفن والإبداع. وقبل هذا وبعده فهي لغة تاريخ العرب وتراثهم، وهي مرتبطة بوجودهم وبوجدانهم وبالهوية والانتماء والتراث والأصالة.
وحسناً فعلت أبوظبي بإنشاء «مركز أبوظبي للغة العربية»، الذي يرأسه الدكتور علي بن تميم، من أجل الحفاظ على هذه اللغة الأصيلة الجميلة وتقوية مكانتها وترسيخ مفاهيمها، لتبقى شاخصة وشامخة وقوية.. لأنها لغة الإبداع والبلاغة والمعرفة والتنوع الثقافي والفكري.. وهي جسر متين بين الحضارات والشعوب.. وبحر زاخر بالمفردات والمعنى والأساليب، وهي بستان جميل تتجلى أهميته ومكانته في علاقته بالقرآن الكريم الذي هو معجزة خالدة شرّف الله بها لغة العرب.
اللغة العربية سيدة الأزمنة، تتحدث عن نفسها وأهميتها القوية وتأثيرها الواضح ودورها المرموق، وهي لغة عظيمة وجميلة وسلسة في الألفاظ والتراكيب والأساليب البيانية. تتكون العربية من 28 حرفاً أبجدياً، وتعتمد على مبدأ النظائر والأشباه. ولكونها متصلة ببعضها، فهي تكتب من اليمين إلى اليسار بشكل هندسي مترابط. وتمتلك اللغة العربية الكثير من الخطوط مثل النسخ والرقعة والثلث والديواني.. إلخ. 
وقد حافظت العربية على تاريخ العرب ودونت أيامهم وبطولاتهم وحفظت إرثهم الغني، إذ وجدت قبل الإسلام وترسخت في ظله، وهي أكثر اللغات غزارةً من حيث المادة المعجمية وتنوعها.
وبمناسبة يومها العالمي، كل عام ولغتنا العربية الأصيلة المرموقة الخالدة بألف خير وبمنأى عن الضعف والضمور.. كل عام وهي ثابتة وقوية، صامدة ومتماسكة.

*كاتب سعودي