برحيل المغفور له الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، تكون دولة الكويت قد فقدت قائداً كبيراً ذا رؤية مستقبلية بعيدة المدى لوضع الكويت على المسار التنموي الذي خطته دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل، وتسير عليه المملكة العربية السعودية حالياً، والهادف إلى خلق التنوع الاقتصادي وبناء نموذج تنموي يملك الاستمرارية لضمان حياة كريمة ومستدامة لفترة ما بعد النفط.
ويعتبر الشيخ ناصر مهندس رؤية الكويت 2035 بطموحات لا حدود لها، ترمي إلى وضع وطنه بقوة على الخريطة الاقتصادية والتجارية والسياحية للمنطقة، وذلك باستغلال وضعها الجغرافي المميز وارتباطها المباشر مع أكبر الأسواق الإقليمية المجاورة، مما يتيح لها فرصاً للتحول نحو اقتصاد أكثر تنوعاً وديناميكية.
عندما تلتقي وتتحدث إلى الشيخ ناصر تلمس مدى الجدية والمثابرة والإخلاص والاستعداد لعمل المستحيل من أجل الوصول إلى أهداف رؤية الكويت 2035، فقد كان - رحمه الله تعالى - يتحدث معك بحماس عن مشاريعه المستقبلية وطموحه للتحول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للكويت، مع علمه بكافة الصعوبات التي تعترض طريقه. فعلى الرغم من كونه ابن الأمير ورئيساً للديون الأميري ووزيراً للدفاع، إلا أنه كان مدرِكاً لطبيعة التركيبة المجتمعية والسياسية للكويت، المجتمع المتميز بنشاط حراكه السياسي وتجاذباته التي تبرز بصورة واضحة في مجلس الأمة (البرلمان الكويتي).
ويتضح ذلك من خلال اهتماماته المتعددة باعتباره مسؤولاً ورجل أعمال ومثقفاً. ففي المجال الاقتصادي كان يعمل على وضع الأسس اللازمة لتنفيذ رؤية الكويت 2035 للتحول التنموي الشامل، وقد اتخذ خطوات عملية من خلال اعتماد العديد من المشاريع الحيوية، بما فيها الاتفاق مع الصين على استثمار مشترك بتكلفة 100 مليار دولار يتضمن مشروع مدينة الحرير والجزر الشمالية، وهو مشروع سيمكن الكويت من إحداث نقلة نوعية لتنمية اقتصادها، إضافة إلى مشروع تطوير ميناء مبارك العملاق قرب الممر المائي بخور عبدالله والذي سيشكل منفذاً تجارياً للعراق والدول المجاورة. كما أن مشاريعه تضمنت تنمية الارتباطات الأمامية لصناعة النفط والبتروكيماويات والتقنيات الحديثة، مما يعني إنعاش الاقتصاد الكويتي وتنوعه وخلق الكثير من فرص العمل للكويتيين وتحسين مستوياتهم المعيشة. وبجانب ذلك، كان مدركاً لحجم الفرص الضائعة، فأسس جمعية حماية المال العام الكويتية لتسخير المزيد من الأموال والاستثمارات وضخها في شرايين الاقتصاد المحلي، مما سيزيد فعالية الاستثمارات ويرفع عددها ويرتقي بجودة المشاريع الحكومية.
وعندما تلتقي وتتحدث إلى الشيخ ناصر تجد نفسك أمام مثقف متعدد الاهتمامات والرؤى، مثقف متواضع بروح مبتهجة وقريبة من محدثيه، فاهتمامه بالتراث العربي والإسلامي، على سبيل المثال، دفعه لتأسيس دار الآثار الإسلامية، وهو ما انعكس على اهتماماته بالمشاريع المستقبلية والتي شملت معظم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية تقريباً.
محزن جداً أن يرحل قائد يملك كل هذا الحماس والإصرار والتفاؤل والرؤى المخلصة لتنمية وطنه وإيجاد تنمية مستدامة للأجيال القادمة لضمان مستويات معيشية جيدة، إلا أنه أولاً لا اعتراض على إرادة الخالق، فهذه سنّة الحياة، وثانياً فإن الكويت قادرة برجالها وبما يتوفر لها من قدرات وإمكانيات كبيرة على مواصلة العمل لإنجاز بنود رؤية 2035 وتنفيذ السياسات والتوجهات الواردة فيها، مما سيؤدي إلى إحداث نقلة نوعية في هيكلية الاقتصاد الكويتي ليصبح أكثر تنوعاً واستدامة، خصوصاً وأن عام 2035 سيشهد نقلة أخرى في مجال الطاقة، حيث سيتم الحد من السيارات التي تعمل بالبنزين، بل وربما منعها في بعض البلدان لتحل محلها السيارات الكهربائية، مما يعني إمكانية حدوث تراجع في الطلب على النفط الذي يشكل المصدر الرئيسي للدخل في البلدان النفطية، بما فيها الكويت.
وأخيراً، من الصعب أن تكتب عن مناقب شخصية ما على قيد الحياة، أما وقد انتقلت هذه الشخصية إلى جوار ربها، فإن ذلك يمنحك مساحة أكبر لإعطاء هذه الشخصية حقها وتقدير جهدها وتفانيها في خدمة وطنها. رحم الله الشيخ ناصر وعظم الله أجر أهله وأسرته الكريمة.