لا يزال العالم يشهد تعاقب الشهور، وتسارع الأيام في ظل حربه الفيروسية الطاحنة، مواجهاً إحدى أكبر الأزمات، من حيث الانتشار وضخامة التداعيات، مما يزيد من الحاجة لتوجيه دفة القيادة نحو أبرز العوامل التي تساهم في اجتيازها، وإيلاء الحلول والاستراتيجيات المبنية على العلم والأبحاث مساحتها الكافية، الدافعة بالتخفيف من وطأة الجائحة «الثقيلة»، وبخاصة على الأمن الغذائي في العالم. 
إن حالة الركود التي خاضتها المجتمعات، وباتت ملزمة بالحجر، والحظر، والإجراءات الاحترازية والوقائية خوفاً من انتشار وتمدد رقعة الفيروس، أدى لتداعيات واسعة على كافة القطاعات والمجالات، وشرائح المجتمع، من جهة، وترك خلفه عامل خطورة متسارع الصعود، وفقاً لنتائج عدة دراسات دقيقة صادرة من جامعة هارفارد الأميركية، في محاولة لقراءة مقاييس التعافي العالمي، وصولاً للنظام العالمي الجديد، والذي يطرح في ظرفية زمانية ومكانية أقل ما توصف به أنها «خطيرة»، ففي محاولة مقارنة ما مر به بعض مناطق القارة الأفريقية عام 2014، وبخاصة غربها (سيراليون، ليبيريا، غينيا) من انتشار فيروس EVD، والمعروف باسم إيبولا، والتي لم ترقَ كأزمة لمستوى «الجائحة»، ومع ذلك فقد عاثت ضرراً كبيراً على الأمن الغذائي، والمورد الاقتصادي، وسبل المعيشة. 
وإذا ما تم تقريب الصورة أكثر، فقد قيدت تلك الأزمة آنذاك ما نسبته 47% من المزارعين، وحالت دون السماح باستمرار توزيع المواد الغذائية، وأساسيات الحياة، والذي آل بطبيعة الحال لنقص في السلع المتوافرة، وارتفاع في أسعار بيعها، وهنا شكل عامل «القدرة على الوصول للغذاء»، حبكة القصة، التي زاد من تأزمها تراجع النشاط الاقتصادي. المبني بالأساس على عدة أزمات ومشاكل أخرى، والتي وصفها المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة «ديفيد بيزلي»، بأنها «أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية»؛ أي (جائحة كوفيد-19). 
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا كان ما سبق ذكره محكوماً بأزمة «إيبولا» محدودة الانتشار، فكيف ستكون تداعيات «كورونا» التي قذفت بالعالم كله دفعة واحدة داخل بوتقة الأزمة؟ وبخاصة أن الأزمة لم تصطدم بنظام عالمي مثالي، بل هناك الكثير من المجتمعات التي تعاني بالأساس من أزمات اقتصادية، وإنسانية، وغيرها، وهي بلا شك ستكون الأكثر تأثراً بهذه الموجة الجديدة.
وحتى تتم مواجهة تداعيات الأزمة الغذائية العالمية، وبالتحديد في مجال الأمن الغذائي، فلابد من رسم الخطط الحكومية والدولية، لإجراءات على أرض الواقع بالسرعة ذاتها التي أطلقت معها حزمة سخية من الإجراءات والتدابير الاحترازية، وبحدود بارزة صارمة، وذلك من خلال خطوات آنية، وأخرى داعمة لها مستقبلية، على أجل غير بعيد. وأول هذه الإجراءات، إيجاد الوفرة من السلع الغذائية التي تشكل احتياجاً أساسياً، ثم حياكة «سلة» احتياطية تخزينية للمواد الغذائية وفقاً للشروط والمقاييس المعتمدة، والتي تتبعها خطوة مهمة جداً في بناء سد «الثقة»، وغرس الطمأنينة لدى أبناء المجتمعات، وتهميش عامل القلق من نفاد احتياجاته، وبعد ذلك يأتي دور نظر المؤسسات المعنية في الحاجة إلى مد سبل التعاون، أو طلب الدعم من المنظمات الدولية، وبخاصة في المجتمعات التي تعاني من تداعيات الأزمات الإنسانية. 
لقد أثبتت جائحة (Covid -19)، ضرورة العمل الدؤوب، سواء أكان على صعيد فردي، أو مؤسسي، أو دولي، فمثل هذه الرجة القوية التي كانت كفيلة بأن تخلق حالة من الوعي، علمت بني البشر ضرورة اتخاذ الخطوات السباقة، وتحضير الخطط الاحتياطية، بموازاة الرئيسة منها، ذلك أن الأمن الغذائي - مثلاً - لن يتجاوز عقباته وتحدياته إذا ما اكتفينا بخطوات آنية متسارعة، بل لابد من دعمها بإجراءات «متوسطة وطويلة» الأمد، والتي ستشكل مضماراً محصناً لدول العالم في وجه الأزمات والكوارث التي قد تصادفها.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.