أسهمت إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضتها جائحة «كوفيد-19» في تنامي ظاهرة التنمّر الافتراضي على صغار السن والمراهقين مع التوجه نحو الإنترنت في شؤون تعليمهم، حيث تؤكد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» أن مستويات التنمّر الافتراضي بأشكاله كافة قد ازدادت على منصات التعليم الرقمية، لأن هذه المنصات خلقت ديناميكيات جديدة في التفاعل المباشر بين الطلبة، وسهولةً في نشر التعليقات والرسائل السلبية حول ما يظهر من بيئاتهم المنزلية، هذا مع عدم إدراك المتنمر أحيانًا كثيرة الضرر الناجم عن أفعاله، لبعده عن رؤية الأذى المباشر الذي يلحق بضحيته.
وقدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة جهودًا كبيرة، واعتمدت آليات سبّاقة في وضع القوانين الصارمة في مكافحة التنمّر الافتراضي على الطلبة بأشكاله كافة على مختلف قنوات التواصل، بما فيها منصات التعليم الرقمية، وهو ما أوجد لهم بيئات آمنة يتفاعلون من خلالها تحت حماية هذه القوانين وبمنأى عن السلوكيات التي تتنافى وأخلاقيات العلم، وأتاح لهم عملية تعليمية في ظل ثقافة عالية من الاحترام والمعايير التي يلتزم بها الجميع على تلك المنصات. ففي 14 نوفمبر الماضي، أطلقت وزارة التربية والتعليم فعاليات الدورة الرابعة لحملة «الأسبوع الوطني للوقاية من التنمر» في البيئة المدرسية، هدفها التصدي لظواهر التنمر الإلكترونية بين الطلبة في مختلف المراحل التعليمية، وتأهيلهم للتعامل معها وطرق الوقاية منها.
وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، ترافق مع زيادة التنمر الافتراضي أشكالٌ من الهجمات الخبيثة، يدعى أهمها «قصف زووم»، وفيها يتمكن الطالب من بث سلوكيات خاطئة تتراوح بين صور ومقاطع فيديو مؤذية وممارسة تهديدات وتعليقات غير ملائمة أو عنصرية تجاه الطلبة الآخرين، ما يخلق تحديات كبرى. وللتنمر، كما يؤكد علماء الاجتماع والنفس، عواقب سلبية على صحة الإنسان وعاطفته وإنتاجه، بل وآثار جسيمة قد تستمر لفترات طويلة تؤدي في الحالات الشديدة إلى إيذاء النفس وحتى محاولة الانتحار. وبناء على ذلك، فإن أشكال التنمر كافة خطيرة، ويجب العمل على ردعها عبر السبل المتاحة، التي تتضمن القوانين الصارمة والمسؤولية الأسرية وحملات التوعية على المنصات التعليمية نفسها، عبر التقنيات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي، التي يمكن أن تسهم بشكل مؤثر في صد المحتوى المؤذي أو المسيء، وتحديد هوية المتنمّر للجهات المسؤولة.
وبالرغم من ازدياد مستويات التنمّر الافتراضي على الطلبة عالميًّا، فإن شركة «كاسبرسكاي» للأمن السيبراني تؤكد أن واحدًا فقط من بين كل عشرة يُبلِغ معلميه أو ولي أمره عن تعرضه لحالة تنمّر. وبالتالي، تظهر أهمية زيادة وعيهم عبر المنصات العلمية من أجل وقف كثير من هذه الحالات، فأغلبهم لا يُبلِغون عما يتعرضون له لشعورهم النابع من الإحراج، أو الخوف من أن الوضع قد يصبح أسوأ إن اكتشف المتنمّرون ذلك، أو لقناعات خاطئة بأن المعلمين وأولياء الأمور لا يكترثون أو لا يملكون فعل أي شيء. لا بد إذن من بث الثقة في نفوسهم عبر هذه المنصات حول قدرة مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة التعليمية، على وقف المتنمّرين وعقابهم. وفي الوقت نفسه، تظهر المسؤولية الأسرية بتوعية النشء حول السلوكيات الصحيحة في الإبلاغ عن التنمّر حال التعرض له. ومن المهم للوالدين أيضًا مراقبة العلامات التي تُظهر تعرّض أولادهم للتنمّر، مثل فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية المفضّلة، أو حدوث تغيرات في عادات النوم أو الأكل، أو الحجج المفاجئة لرفض استخدام المنصّة التعليميّة.
وكان لشركات التقنية العالمية مؤخرًا جهود في تعزيز آليات الحماية ووقف التنمّر على المنصات التي تستخدم برامجها، حيث بدأ بعضها في تضمين تقنيات الذكاء الاصطناعي بالتعلم الآلي لوقف الهجمات تلقائيًّا، ورصد الإساءات من المشاركين وتنبيه المشرفين إليها، الأمر الذي يجعل المنصات نفسها أدوات فاعلة في مراقبة التنمّر ومحاربته.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.