يتساءل الشارع العربي حالياً عن دور الجامعة العربية التي تأسست عام 1945، ولا ندري هل خفوت دورها الآن هو مجرد استراحة محارب أم إعادة تأهيل لهذه المنظمة العريقة، والتي كانت في الماضي تسر الصديق وتغيظ العدو بمواقفها المعروفة وصوتها المسموع وقراراتها المؤثرة.  
وفي خضم الظروف العربية الحالية المعقدة، وفي لحظة ربما هي الأكثر حساسية منذ زمن طويل على كثير من المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. يرتسم السؤال: أين الجامعة العربية؟ وماذا فعلت حيال القضايا والملفات العربية؟ 
لا شك أن هناك في دول الخليج العربي حالات إيجابية جداً ومبادرات مفرِحة، مثل انعقاد قمة العشرين برئاسة المملكة العربية السعودية، ونجاح دولة الإمارات في إطلاق «مسبار الأمل».. والكثير من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والبيئية والتعليمية والثقافية الكبرى.. التي تم إطلاقها في البلدين، لكن معظم الدول العربية الأخرى تعاني من ضعف وتراجع، مما يضع المنطقة أمام مستقبل غير واضح المعالم، لاسيما في ظل غياب مشروع عربي شامل وافتقار العرب إلى خارطة طريق في مواجهة التكالب على المنطقة، وما تمر به من تقلبات وتناقضات وهزات.
في الماضي كان هناك حد أدنى من التضامن القومي بين العرب، وكانت هناك منظومة عربية قوية لها دور فعال في القضايا العربية المصيرية. كان مجرد الاعتداء على بلد عربي يكفي لكي تعقد الجامعة العربية اجتماعاتها على الفور، وعلى أعلى المستويات، لاتخاذ قرار بالإدانة والرد على المعتدي. وكانت الاجتماعات العربية تصدر قرارات جماعية قوية وحاسمة ورادعة، لتصبح قانونية وشرعية ونافذة وملزمة للجميع.
أما اليوم فأصبحت المنظومة العربية تعاني من بعض الأصوات والمواقف النشاز داخل المنتظم العربي، وما عادت قادرة على الرد على أي عدوان يستهدف أي بلد عربي. لم نعد نسمع أي بيانات قوية تصدر من الجامعة واجتماعاتها.
وفي هذا الواقع العربي، لا شيء باستثناء المبادرات الكبيرة والمشروعات الناجحة التي ظلت تقدمها بعض الدول الخليجية ومصر، وما أنجزته على مستويات مختلفة من خلال مشاريع تنموية كبيرة وناجحة بالمقاييس العالمية، لكن معظم الدول العربية، بما فيها تلك التي سبقت الدول الخليجية إلى الحداثة، تراجعت كثيراً بسبب السياسات الفاشلة، ما جعل بعض الدول تفقد هيبتها وتخسر دورها، بل أصبحت هويتها مهددة ولا تكاد تجد لها حلفاء أو مؤيدين. 
إن وجود العديد من الدول العربية خارج معادلة القوة العربية أضعف التضامن العربي وأضر بالموقف العربي الموحّد الذي كان ينظر إليه باعتباره مشروعاً مستقبلياً يحمي العالم العربي من الهزات والانقسامات والتراجعات، بل ومن التدخلات الإقليمية والدولية أيضاً، وهي التي تنامت خلال السنوات الأخيرة، دون أي رادع من المنظومة العربية بإمكانه إيقاف هذه التدخلات عند حدها، مما أغرى بعض الدول الإقليمية بالتمادي في عبثها بالشؤون الداخلية للعالم العربي، بل وصل بها الأمر أن أقدمت على التغيير الديموغرافي في بعض الدول العربية التي فقدت قدرتها على التأثير والدفاع عن نفسها. وسيطرت التدخلات الإقليمية على مفاصل القرار في بعض الدول العربية وتغلغلت في تفاصيل الشأن المحلي لتنخر في تركيبة النسيج الاجتماعي نفسه، وذلك من خلال ميليشيات طائفية ومذهبية وجماعات مسلحة، لتكون هذه الدول سيدة الموقف بعيداً عن أي إرادة عربية مشتركة.
لقد بدأ مشروع الدول الإقليمية يتغلغل على حساب الأمن القومي العربي، بل أخذت هذه الدول تبني ترسانتها العسكرية على هذا الأساس، محاولةً ابتزاز بعض الدول العربية بكل صلف ووقاحة.