لم تمر سوى خمسة أيام على تفجير بئريَّ نفط داخل حقل صغير في شمال العراق ينتجان نحو خمسين ألف برميل يومياً حتى تم استهداف سفينة مخصصة لنقل الوقود قرب ميناء جدة السعودي بوساطة قارب مفخخ، في حادث إرهابي أدانته دول غربية وعالمية عديدة، مبينة آثاره الخطيرة، لاسيما أنه أتى بعد فترة من هجوم تعرضت له سفينة أخرى في «الشقيق»، وعلى محطة توزيع المنتجات البترولية في شمال جدة، وعلى منصة التفريغ العائمة التابعة لمحطة توزيع المنتجات البترولية في جازان، ما يعني أن من ينفذها يرمي، ليس فقط إلى التأثير السلبي على اقتصاد المملكة العربية السعودية، إنما أيضاً على استقرار إمدادات الطاقة للعالم، علاوة على آثارها المدمرة على حركة الملاحة البحرية.

وهذه الحوادث التي تكررت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ تطرح قضية تهديد وسائط نقل الطاقة مجدداً على ساحة السياسة الخارجية لبعض الدول المنتجة للنفط والغاز من زاوية، والعلاقات الدولية من زاوية ثانية، حيث يلقي التنافس الدولي حول الثروات النفطية ظلالاً على بعض الصراعات الداخلية في دول وأقاليم معينة، بما قد يؤدي إلى أن تدرك القوى الكبرى أن تخفيف حدة هذه الصراعات أو إخمادها يزيد من فرصها في الحصول على الكميات التي تريدها من النفط والغاز الطبيعي، ويحمي هذه الثروة من مخاطر التعرض لآثار سلبية جراء تفاقم تلك الصراعات.
فتجارة العالم من النفط والغاز لا تقتصر أنشطتها على التنقيب والاستخراج ومن ثم الإنتاج فالاستهلاك، بل تمتد بالطبع إلى مرحلة وسطى بين كل هذا تتعلق بوسائط النقل سواء كان بحرياً من خلال السفن أو الحاويات العملاقة، أو برياً عبر أنابيب تمتد آلاف الكيلومترات وتخترق حدود أكثر من دولة لتربط مراكز إنتاج النفط بأسواق استهلاكه. 
ولا تستطيع شركات الطاقة الدولية الكبرى إسقاط عامل «الأمان» من الحسبان، وهي التي تنفق مئات بل آلاف الملايين من الدولارات على عمليات التنقيب والاستخراج والتكرير، وتعلم أن هذا لا معنى له دون نقل النفط المكرر أو الخام إلى الأسواق العالمية، وهي مسألة يدركها من يستهدفون وسائل نقل الطاقة.
وإذا كانت التطورات التقنية تسعى جاهدة إلى التغلب على المشكلات التي تضعها الجغرافيا السياسية في وجه عمليات نقل الطاقة، فإن غياب هذه المشكلات لا يتوقف فقط على ما تتيحه التكنولوجيا الحديثة من وسائل، بل هناك ضرورة للنظر في وجه آخر للمسألة يتعلق باستغلال بعض البشر لأوضاع جغرافية معينة في تعويق أو تهديد وسائط نقل الطاقة براً وبحراً. فالأنابيب التي تحمل النفط والغاز الطبيعي تخترق صحراوات شاسعة والحاويات العملاقة التي تبحر بهما عليها أن تمر من مضايق تصل المحيطات بالبحار لتنتهي عند موانئ بالدول المستوردة للطاقة.
وهنا تجد بعض القوى المسلحة، سواء كانت سياسية أو عقائدية، فرصة للنيل من قوة إقليمية منتجة للنفط وقوى دولية كبري تستورد كميات كبيرة منه، فرصة سانحة لتفجير هذه الأنابيب أو مهاجمة تلك الحاويات، من أجل تحقيق بعض أهدافها، وهي مسألة أدركتها المنظمات اليسارية في أميركا اللاتينية، لاسيما في كولومبيا، والتنظيمات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش» والتنظيمات المتطرفة بالجزائر، وأخيراً «الحوثيين» في اليمن.
أعتقد أن هذا الحادث الأخير سيدفع الرياض، وكل من يناصرها في هذا الموقف، إلى السعي حثيثاً لبناء اصطفاف دولي ضد استهداف ناقلات النفط وآبار إنتاجه ومصافيه، وهي خطوات ستلقى استجابة لأن الضرر سيطال الدول الصناعية والعسكرية الكبرى، وربما العالم بأسره.