لم يكمل فيروس كورونا (كوفيد-19) سنته الأولى في الانتشار حول العالم، حتى تم اكتشاف اللقاح المضاد له في غضون أشهر، بل تجاوز اللقاح الواحد إلى عدة لقاحات مختلفة، في تنافس محموم بين كبريات الشركات العالمية للأدوية وصناعة العقاقير. فالعالم اليوم أمام مجموعة لقاحات تتنافس في الجودة ونسبة الحماية والفعالية، بعد اختبارات سريرية تباينت في مدتها؛ فعلى سبيل المثال أنتجت جامعة أكسفورد لقاح «أسترازينيكيا» بنسبة نجاح تتراوح بين 70 و90%، بينما أنتجت شركتا «فايزر» الأميركية و«بيونتيك» الألمانية لقاحاً تتجاوز نسبة نجاحه 95% وهو العقار الذي تم العمل به في المملكة العربية السعودية. وشارك في المنافسة أيضاً معهد بيجين الصيني للمنتجات البيولوجية، والذي أنتج عقار «سينوفارم سي إن بيجي» بنسبة نجاح وصلت 99% وهو المعتمد حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وقد بدأتا فعلياً في عملية التطعيم. هذا فضلاً عن لقاحات أخرى مثل «موديرنا» و«سيبوتنيك» اللذين لا يقلان جودة حسب التجارب السريرية والنتائج الناجحة.
في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، عكف الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر الملقب «أبو علم المناعة»، ولمدة عشرين عاماً، على أبحاثه وتجاربه حتى تمكن من إنتاج المصل المضاد للمرض الأشرس من نوعه في تاريخ البشرية، أي الجدري الذي فتك بأكثر من 20% من سكان الكرة الأرضية. ففي اليابان، مثلاً، قضى على أكثر من ربع السكان، في كارثة هي الأكبر من نوعها. وكان إنتاج الأمصال المضادة للمرض بمثابة حياة جديدة وانفراج كبير لسكان العالم أجمع، وبمقارنة وسائل الطبيب جينر البدائية وأبحاثه الطويلة للقضاء على مرض كاد يدمر العالم، بالأبحاث الحالية حول فيروس كورونا المستجد في ظل ثورة التقنيات والبرمجيات الحديثة، والعقول المبتكرة التي لم تستغرق أكثر من بضعة أشهر للإعلان عن لقاحات تنافست دول العالم الأول على إنتاجها وتصنيعها، وبالتالي تقديمها للبشرية في وقت هو الأقصر من نوعه في تاريخ اللقاحات والقضاء على الأمراض والأوبئة، مما يقدم مؤشراً كبيراً على تسارع التقنيات والأبحاث في التعاطي مع الأمراض والجوائح المشابهة والحلول العاجلة لتفاديها مستقبلاً.
وتعتري البعض في أصقاع الأرض حالة من التردد في أخذ اللقاح، وهذا التردد والحملات المصاحبة له ليسا بالشيء الجديد، مقارنةً بما سبق كورونا من أوبئة انتهت باللقاحات التي أثيرت حولها شبهات وحملات مضادة لتهويل المضاعفات الجانبية للقاح، وهي أعراض لا تتعدى الصداع أو ألماً مكان الحقن أو ألماً مؤقتاً في المفاصل على أسوأ تقدير. وقد لا تعدو هذه الحملات كونها تنافسية مصطنعة بين الشركات المصنِّعة نفسها، باعتبار الجائحة فرصة للربح ومحاولة دول وشركات بسط هيمنتها من خلال السيطرة على سوق اللقاحات.. لكنها في نهاية المطاف أسباب لن تثني الجهات المعنية في دولنا تحديداً عن استمرار محاربة هذا الوباء بحملات التطعيم وتوفير اللقاح رسمياً، حيث تم العمل باللقاحات في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والكويت وعمان مجاناً، بعد أشهر طويلة من الرعاية الطبية المجانية كلفت ميزانيات كبيرة لحماية المجتمعات والحفاظ على الصحة العامة للمواطن والمقيم، وتقديم جميع الخدمات الطبية والفحوصات المجانية، وسط فترات من الإغلاق والقيود كانت لها تداعياتها الاقتصادية.. حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من نجاح في احتواء الجائحة وانتهاءً بتوفير اللقاح مجاناً.
وتستهدف الجهات الصحية المعنية، ومنظمة الصحة العالمية، الفئات فوق 18 سنة في حقن اللقاح بجرعتين تفصلهما 21 يوماً لتبدأ في اليوم الـ35 تكوين الأجسام المضادة للفيروس في جسم الإنسان، لتنتهي بعدها حقبة الجائحة والخوف التي غيرت مجرى حياتنا، في درس هو الأقسى من نوعه خلال هذا القرن!

*كاتبة سعودية