«علينا أن نبحث عن كيس اللكم الصحيح في تحديد مشاكلنا، وإلا فسوف نستمر عبثاً في لكم الكيس الخطأ»، بهذه العبارة أنهى الدكتور محمد الرميحي مقالته حول إشكالية تجاهل دور المُدرِّس وتأثيره أثناء عملية تطوير المنهج التعليمي. كتب الرميحي مقالته رداً على مقالة للدكتور توفيق السيف استبشر فيها بخطوة وزارة التعليم السعودية نحو إدراج مقرر الفلسفة والتفكير النقدي في المدارس، وهو تطور من شأنه التعامل مع خيارات ذهنية متعددة، أي تقبل التنوع والتعدد الثقافي، والذي يشكّل السلاح الأقوى ضد التشدد والانغلاق، بحسب كاتب المقالة. 
أما الدكتور الرميحي فقال إنّ الفاعل الرئيسي ليس المنهج بل المُدرِّس، مستدلاً بما جاء في مذكرات المناضلة الفلسطينية ليلى خالد، والتي عرفها العالم بعد اختطافها طائرةً سنة 1969، حيث قالت في مذكراتها أيام عملها مُدرِّسة في مدرسة بنات في الكويت، إنها كانت تدخل الفصل وتقفل الباب وتتحدث إلى طالباتها عن «القضية الفلسطينية»، متجاهلةً المقرر والمادة التي تدرِّسها. 
كما استدلّ الدكتور الرميحي بما حدث له شخصياً، إذ أُدرجت مقالة له عن التسامح في المنهج المقرر على طلبة الثانوية في الكويت، لكنه فوجئ بأن الأسئلة التي تلي الدرس تتضمن سؤالا موجهاً إلى الطالب يقول: «كيف تثبت أن الكاتب مسلم؟»، وكأنّ معد المنهج أراد بهذا السؤال توجيه الطالب باتجاه ما. لذا، فالكيس الصحيح للكم، بحسب الرميحي، هو المُدرِّس وليس المنهج، إذ «مهما أعطيتَه من نصوص، هو المتحكم في حشو العقول لتلاميذه»، و«المُدِّرس وإعداده وتدريبه له الأهمية القصوى في الحضارة الحديثة»، و«المُدرِّس في مدارسنا جزء من المشكلة.. فكيف نجعله جزءاً من الحل؟».
وإذا كان الدكتور السيف قد بالغ في تعظيم تأثير المناهج الدراسية، ومن دون أن يشير إلى دور القائم على تدريسها، فإن الدكتور الرميحي بالغ في التقليل من أثرها، وصارت المسألة كلها في المُدرِّس. 
والحال أن المُدرِّس الذي يستغل الحصة المدرسية لتكون مساحةً لآرائه الشخصية استثناء لا يقاس عليه، بدليل أن كلا منا قد لا يملك إلا تجربة أو تجربتين لمُدرِّسين من هذا النوع، ونحن نذكرهم لأنهم النشاز ضمن مُدرِّسين كُثر أدوا عملهم بأمانة. 
كما غابت عن الدكتور الرميحي مسألة «الأجواء»، فالمُدرِّس لا يمكنه أن يروج للموت مثلاً إذا كان المنهج يدعو إلى الحياة، والإعلام يدعو إلى الحياة، وأسلوب حياة الناس هو أسلوب حياة. وإذا فعل ذلك، فسرعان ما سيصل صوته الكئيب إلى الإدارة المسؤولة عنه. 
ومُدرِّس مادة الفلسفة هو غالباً خريج كليات الآداب والعلوم الإنسانية، وافتراض أنه سيدخل حصته بأجندات لا علاقة لها بالتخصص الذي أحبَّه ودرَسه وأصبح الآن يدرّسه للطلبة، افتراض في غير محله. 
تطوير المناهج سيؤتي ثمارَه، وهذه الثمار لا تزرعها المناهج وحدها، ولا المُدرِّس وحده، بل الجو العام في أي بلد يسقي بذور المناهج التي يتولى المُدرِّس بذرها في تربة عقول الطلبة، ولا غنى عن تدريبه وإعداده على أي حال. أما مَن يدخل الفصل وهو يدسّ في جيبه بذوراً خاصة به، فلن يستمر طويلاً حتى يكون كيس اللكم.

*كاتب إماراتي