نكاد نقول إن عام 2020 هو عام كورونا على العالم أجمع، فإن صراع الدول لتجنب تداعيات الجائحة والتنافس للوصول إلى اللقاح، هو بحد ذاته سيجعل عالم ما بعد كورونا لا يشبه ما قبله. وبعدما كشفت الجائحة نقاط الضعف في النظام العالمي من خلال التحولات الجيوسياسية السريعة وسلاسل الإمداد العالمية والأنظمة الصحية للدول ومستقبل التغير المناخي، ستعيد ترتيب أولويات الدول، وقد تزيد من حدة التنافس باتجاه تعويض الخسائر الاستراتيجية والاقتصادية بعد انحسار الجائحة. وما زال العالم في مرحلة التعافي الحذر من الجائحة حتى الآن، إلا أن الأزمة ما زالت تعتبر المحرك الرئيسي لعلاقات الدول الخارجية، فإن عبء جائحة كورونا أضاف أبعاداً جديدة على الأمن الوطني لدى الدول. وظهرت مفارقات، منها أن الاتحاد الأوروبي لم يدعم إيطاليا أثناء استجابته للفيروس، والتي وقفت وحيدة مكتوفة الأيدي مقابل تزايد أعداد الموتى والمصابين. 
والتحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط الناتجة عن ارتباك المشهد العالمي أثناء أزمة كورونا، إضافة إلى تراجع دور حلف «الناتو» والأمم المتحدة في الشرق الأوسط، وتغير الإدارة الأميركية في عام 2021 لصالح الحزب «الديمقراطي»، قد يدفع دول الشرق الأوسط إلى عقد تحالفات دبلوماسية بديلة، وأكثر عمقاً مع دول عظمى مثل روسيا والصين، حيث من غير المرجح أن يتم إصلاح النظام العالمي في عام 2021 في ظل استمرار التدخلات الإقليمية والتنافس على المصالح الجيوسياسية ما بين الدول العظمى. 
صدمة كورونا كشف هشاشة سلاسل التوريد عبر تزايد القيود المفروضة على الصادرات من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية، وانتقلت من بضع مناطق إلى العالم بأسره تقريباً، ونذكر هنا عند توقف صادرات الأرز والقمح من الدول المنتجة، وأيضاً استيلاء بعض الحكومات على شحنات طبية مثل كمامات الوجه. ومن المتوقع، أن تتجه تلك الدول المتضررة من الاعتماد المتبادل إلى الاعتماد على نفسها عبر زيادة سلاسل التوريد المحلية واستخدام التكنولوجيا الحديثة.
وعلى صعيد الأنظمة الصحية، وجدنا بعضها شارف على الانهيار لدى دول متقدمة مثل إسبانيا وبريطانيا وأميركا وغيرها، بسبب صعوبة توفير أجهزة تنفس لكل المرضى وترك كبار السن عرضة للخطر داخل بيوت المسنين دون مد يد العون لهم، يشير إلى هشاشة الأنظمة الصحية في بلدان العالم المتقدمة، فكيف بالبلدان الفقيرة؟ ولذلك من المؤكد أنه ستتم إعادة النظر في قدرات الأنظمة الصحية من حيث آليات الاستجابة للأمراض المعدية وزيادة ميزانيات البحوث الطبية، مع اتجاه بعض الدول إلى دعم دور منظمة الصحة العالمية لتوحيد الجهود العالمية لمواجهة الأمراض العابرة للقارات. كان للجائحة تأثير إيجابي مؤقت على تحسن المناخ بسبب انكماش الاقتصادات وتراجع استهلاك المحروقات. لكن أقرت الحكومات تريليونات الدولارات على حزم التحفيز الاقتصادية، ويمكن توجيه هذه التمويلات نحو مصادر الطاقة المتجددة.
وضعت كورونا العالم على مُفترق الطرق في السياسات الخارجية، ودفعت في اتجاه قيام بعض الدول بتدشين علاقات دولية أذكى، وأكثر قدرة على إدارة الأزمات. وهذه الأزمة دفعت في اتجاه التعاون المشترك الثنائي أو متعدد الأطراف ما بين الدول، على حساب نظام عالمي تسيطر عليه موازين قوى لم تتعامل بطريقة صحيحة في مواجهة الجائحة.