جاء قرار القمة الأوروبية، التي عُقدت في بروكسل يومي الخميس والجمعة الماضيين، بتوسيع نطاق المشمولين بالعقوبات على تركيا، في الوقت الذي لا بد أن يكون القلق ملازماً لرئيسها رجب طيب أردوغان من تغير السياسة الأميركية تجاهه بعد تنصيب الرئيس المُنتخب جو بايدن في 20 يناير المقبل.
منح الأوروبيون الرئيس التركي أكثر من فرصة، ووجهوا إليه رسائل عدة كان أكثرها وضوحاً في القمة الأوروبية السابقة التي عُقدت في آخر أكتوبر الماضي، ثم في استنكار رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل تحركات تركيا الأحادية في منطقة شرق المتوسط، واستفزازها وخطابيها غير المقبولين تماماً وفق التعبير الذي استخدمه، وتهديده بتوسيع نطاق العقوبات التي فُرضت العام الماضي على المشاركين والمتورطين في أعمال التنقيب والحفر في منطقة شرق المتوسط، لكنها لم تُطبق سوى على اثنين من المسؤولين الأتراك.
ولم يتجاوب نظام الرئيس أردوغان بطريقة جدية مع هذه الرسائل، فصار ضرورياً اتخاذ موقف أقوى، وتطلب ذلك جهداً كبيراً للتوفيق بين مواقف 27 دولة تشترك في الهوية، وتختلف في كثير من المصالح، لكي يتيسر التوافق على قرار مقبول منها جميعها، إذ لا يمكن إصدار قرار من دون إجماع أو توافق عليه.
وأسفر ذلك الجهد عن قرار بتوسيع نطاق المشمولين بالعقوبات التي سبق فرضها، في إطار توافق على التدرج في استخدام العصا مع استمرار التلويح بالجزرة، وهذه خطوة جديدة يمكن أن تُعزِّز الضغط على نظام أردوغان، رغم أنها قد تبدو صغيرة، لكن العبرة في أي نظام للعقوبات ليست بحجمه، بل بدلالته. ولا تقل، هنا، أهمية الدلالة السياسية للعقوبات عن آثارها الاقتصادية. يحمل فرض أية عقوبة رسالةً قويةً لمن تُفرض عليه، وللعالم أو المجتمع الدولي أيضاً. وتزداد أهمية مثل هذه الرسالة عندما تصدر عن الاتحاد الأوروبي، الذي لم يُعرف عنه إفراطٌ في استخدام العقوبات في إدارة الخلافات والصراعات، بخلاف الولايات المتحدة مثلاً. كما أنها تكتسب أهمية أكبر في هذا الوقت تحديداً، مع قرب بداية مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأميركية عقب تولي بايدن الرئاسة. ورغم أن الرئيس الأميركي المنتخب لم يفصح بعد عن السياسة التي ستنتهجها إدارته إزاء تركيا بشكل مُفصل، لا بد أن تدل تصريحات أدلى بها خلال الأشهر الأخيرة على اتجاه إلى تبني سياسة أكثر تشدداً مما اتبعته إدارة الرئيس دونالد ترامب.
والأرجح أن يشمل هذا التشدد انتهاكات نظام أردوغان في داخل تركيا، وخارجها على المستوى الإقليمي. والمتوقع أن تكون الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها أكراد تركيا في صدارة أولويات الإدارة القادمة. فقد تبنى بايدن موقفاً متعاطفاً مع الأكراد عموماً منذ أن كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي. وبقى هذا الموقف مستمراً عندما أصبح نائباً للرئيس في إدارتي باراك أوباما (2009-2017). وإذ بلغت الانتهاكات ضد أكراد تركيا مبلغاً أعلى الآن من أي وقت مضى، يصبح مرجَّحاً أن تفتح إدارة بايدن هذا الملف، وأن توسع نطاق الدعم الأميركي للإدارة الذاتية التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» في إطار «قوات سوريا الديمقراطية» في شرق سوريا. ومن شأن هذا التطور أن يزيد الضغط على نظام أردوغان، في ظل العلاقة الوثيقة بين القوى الكردية الأساسية في تركيا وسوريا.
لكن التغيير المتوقع، وفق ما يمكن استنتاجه من تصريحات بايدن خلال حملته الانتخابية، سيشمل ملفات إقليمية أيضاً. وربما تطفئ الإدارة الجديدة الضوء الأخضر الذي يُرجح أن أردوغان حصل عليه من إدارة ترامب للتدخل الكثيف في ليبيا، ليس فقط لأن بايدن قلق من تحركات نظام أردوغان الإقليمية في مجملها، ولكن أيضاً لأن وقف إطلاق النار يُقلل مخاوف واشنطن من الدور الروسي.
كما سيتضمن التغير في سياسة إدارة بايدن الموقف تجاه الانتهاكات التركية في منطقة شرق المتوسط، على نحو يتكامل مع الضغط الأوروبي على نظام أردوغان، وقد يضعه في مأزق يصعب الخروج منه من دون وضع حد لهذه الانتهاكات. والملاحظ أن بايدن يعارض، أيضاً، الهيمنة التركية على شمال قبرص، ويرى أن إعادة توحيد الجزيرة في صورة اتحاد فيدرالي ثنائي أمر ضروري.
وإذا أضفنا إلى ذلك كله تعاطف بايدن مع الأرمن، وحديثه في أبريل الماضي عن ضرورة الاعتراف الأميركي الرسمي بإبادتهم الجماعية بين عامي 1915 و1917، ربما يجوز توقع أن يكون 2021 العام الأسوأ بالنسبة لأردوغان منذ توليه السلطة.