بدأت مقالتي الأسبوع الماضي بتصريح رئيس المجلس الأوروبي، بأن الاتحاد الأوروبي مستعد لفرض عقوبات على تركيا، لأنها لم تخفض التصعيد في أزمتها مع اليونان، وأن «لعبة القط والفأر» بين الطرفين يجب أن تتوقف، واختتمتها بأن القمة الأوروبية الوشيكة (انعقدت بالفعل يوم 10 ديسمبر الجاري) تواجه اختباراً حقيقياً يتعلق بوزن الاتحاد الأوروبي ومكانته. وجاءت قرارات القمة الأوروبية في مواجهة تركيا كالعادة شديدة الضعف والميوعة بالنسبة للممارسات العدائية لتركيا ضد أعضاء في الاتحاد. 
وبادئ ذي بدء، لا يجب أن ننسى أن تركيا تحتل أصلاً منذ 1974 أراضٍ تابعة لدولة عضو في الاتحاد وهي قبرص، وأقامت عليها دولة لم يعترف بها أحد سواها، وقد شهدت الأزمة بين تركيا وكل من اليونان وقبرص تصعيداً خطيراً منذ أغسطس الماضي، بعد أن أرسلت تركيا السفينة «عروج ريس» لإجراء عمليات استكشاف للنفط والغاز في مياه تابعة للدولتين أو أقل ما توصف به أنها متنازع عليها. وفي مواجهة السلوك الاستفزازي التركي قرر الاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2019 فرض عقوبات على شخصيات وكيانات تركية تتمثل في حظر السفر إلى الاتحاد، وتجميد أصول الكيانات والأشخاص الذين تُفرض العقوبات عليهم، واتضح في فبراير2020 أن العقوبات قد فُرِضت على شخصين هما نائب الرئيس ونائب مدير قسم الاستكشاف في مؤسسة البترول التركية! وناقشت القمة الأوروبية في أكتوبر الماضي مقترحاً يوازن بين الانفتاح على تركيا مع التهديد بفرض مزيد من العقوبات عليها إذا لم توقف أعمالها الاستفزازية، ثم جاءت لحظة الحقيقة في القمة الأخيرة التي انعقدت منذ أيام فماذا كانت النتيجة؟ تمخض الجبل فولد فأراً كما يقولون، وهو فأر لن يكون بمقدوره أن يوقف «لعبة القط والفأر» التي أشار إليها رئيس المجلس الأوروبي. فقد اكتفت قمة المجلس الأوروبي بالدعوة إلى «اعتماد قوائم إضافية بناءً على قراره الصادر في11 نوفمبر 2019 بشأن التدابير التقييدية في ضوء أنشطة التنقيب التركية غير المصرح بها في شرق المتوسط»، أي أن كل ما حدث هو مجرد الدعوة إلى توسيع قائمة العقوبات وليس فرض المزيد منها. وأعطى القادة الأوروبيون تفويضاً لوزير خارجية الاتحاد لتقديم تقرير بحد أقصى مارس 2021 حول تطور الوضع وأن يقترح «إذا لزم الأمر» توسيع العقوبات لتشمل أسماء أو شخصيات جديدة على أساس «تضييق الخناق تدريجياً».
يعني ما سبق أن ما تمخضت عنه القمة لا يرقى أصلاً لمرتبة «الفأر»، فما زالت أسماء الكيانات والأشخاص الذين سيضافوا إلى قوائم العقوبات في علم الغيب، متروكين لتقدير وزير الخارجية الأوروبي «إذا لزم الأمر»! ثم مَن قال أصلاً: إن فرض العقوبات على مسؤولين في مؤسسة البترول التركية أو على المؤسسة ذاتها يعني شيئاً ذا بال؟ إن الاستفزازات والانتهاكات التي تحدث في شرق المتوسط لا تتم بمعرفة مسؤولين في المؤسسة مهما علا شأنهم، وليست سياسة مؤسسة مهما كانت أهميتها، وإنما هي سياسة دولة مع سبق الإضرار والترصد، وبالتالي فإن حديث العقوبات الأوروبية على تركيا حتى الآن مجرد عبث لا يسمن ولا يغني من جوع. ولنقارن الموقف الأوروبي بنظيره الأميركي الذي فرض عقوبات حقيقية على تركيا لمجرد أنها اشترت منظومة صواريخ دفاع جوي روسية، مع أن هذا العمل بغض النظر عن تناقضه مع انتمائها لحلف الأطلسي لا يمثل انتهاكاً للقانون الدولي. ومن الواضح أن هناك اختلافات حقيقية في الرؤى الأوروبية لإدارة الأزمة مع تركيا نتيجة تباين المصالح. وإلى أن تتم بلورة رؤية لمصلحة أوروبية مشتركة، من الواضح أن الاتحاد الأوروبي سيبقى عملاقاً اقتصادياً دون أجنحة سياسية.