استمرت الاحتجاجات في محافظة السليمانية رغم حظر التظاهرات، حيث تظاهر يوم الجمعة الماضي مئات المحتجين. وكانت الاحتجاجات قد اندلعت يوم الثاني من ديسمبر الجاري بعد أن نظم موظفون حكوميون احتجاجات تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية وبصرف الرواتب المتأخرة منذ شهر أبريل الماضي. وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف تخللها حرق مبان حزبية. وتعرض متظاهرون لإطلاق رصاص في عدة بلدات وقرى في ضواحي محافظة السليمانية، أثناء تجمعهم أمام مقرات حكومية وأخرى لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» وغريمه «الاتحاد الوطني الكردستاني». وفرضت السلطات حظر التجول والسفر وتم قطع خدمة الإنترنت.
وبينما ينتقد المتظاهرون الفساد السياسي واتساع الفجوة في الثروة بين عامة الشعب وبين الطبقة السياسية الكردية التي استمر قادتها في وصف الاحتجاجات بأنها مؤامرة.
لطالما تمتع قليم كردستان العراق بحكم ذاتي مدعوم من الغرب، حتى قبل الإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003. وظلت محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق من أكثر المناطق العراقية أماناً. لكن الإقليم عانى أزمة اقتصادية متصاعدة منذ عام 2016 بسبب تراجع أسعار النفط والحرب على تنظم «داعش».. لذا باتت الحكومة الكردية برئاسة مسرور بارزاني عاجزة عن توفير مرتبات موظفيها الذين يصل عددهم إلى حوالى مليون و250 ألف موظف. ويعيش 36 في المئة من الأسر في الإقليم الذي يسكنه ستة ملايين شخص بأقل من 400 دولار شهرياً، وفق الأمم المتحدة.
وتضاعفت معاناة الإقليم في ظل استثنائه من ميزانية الحكومة الاتحادية منذ عام 2014 بقرار من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي. وبالرغم من إعادة حكومة عادل عبد المهدي دعم الإقليم بنحو 378 مليون دولار أميركي شهرياً، فإن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قام بتخفيض المبلغ إلى 270 مليون دولار لم تصل دفعاتها، ما جعل الموظفين الأكراد دون رواتب. كما كرس قانون العجز المالي الذي أقره البرلمان العراقي، في نوفمبر الماضي، استثناء الإقليم من ميزانية الدولة.
وتشكل العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد والحكومة المحلية في إقليم كردستان أحد أكثر الملفات تعقيداً في عراق ما بعد صدام حسين، إذ كثيراً ما اتسمت بالتوتر وعدم الاستقرار. فإقليم كردستان لا يخفي رغبته في الاستقلال، لكن الظروف الإقليمية والدولية أكثر تعقيداً من الرغبة الكردية، وهي رغبة يعتبرها كثير من العراقيين تهديداً لوحدة بلادهم وسيادتها الوطنية. 
ورغم ذلك لازالت القوى السياسية في الإقليم شريكاً أساسياً لبقية القوى السياسية العراقية، الشيعية والسنية. ومن أهم الملفات الساخنة في العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة الإقليم ملف استخراج وتصدير النفط، وإبرام الاتفاقيات مع المؤسسات الدولية والدول الإقليمية، والسيطرة على المنافذ الحدودية، وتيسير النفقات العامة، وموضوع المناطق المتنازع عليها بين الإقليم والسلطات المركزية (بما في ذلك محافظة كركوك). 
ويقول الأكراد إنهم فقدوا الثقة في النخبة الحاكمة في بغداد، حيث كانوا يتوقعون أكثر بكثير مما حصلوا عليه من وعود في السابق. وتصاعد الغضب الشعبي في الإقليم منذ أعوام، ووجهت اتهامات بالفساد في كل اتجاه، وكان يتوجب على الحكومة أن تقدم خدمات أفضل وأن تسعى لخلق فرص عمل جديدة، ولجلب الاستثمار ومكافحة الفساد. 
لقد أظهرت احتجاجات السليمانية أن الأزمة أعمق من قضية صرف الرواتب، فالمحتجون يتهمون الساسة المحليين بالفساد والاختلاس والمحسوبية، ويطالبون بربط نفط الإقليم ودفع رواتبه بالحكومة المركزية في بغداد. وظهرت المطالبات من نخب وشرائح واسعة داخل المجتمع الكردي، إذ لأول مرة تصدر مطالبات كردية كهذه تريد حلا يكون أساسه بغداد. وبذلك عكست التظاهرات ضعف الصيغة التي بنيت عليها المطالبات الحزبية بإقامة الدولة الكردية المستقلة، خاصة بعد فشل استفتاء الاستقلال عام 2017. 
ستساهم مظاهرات السليمانية في إعادة تشكيل العلاقة بين إقليم كردستان العراق وبغداد من جديد، إذ عكست هذه المظاهرات ضرورة تصحيح العلاقة بين الحكومة المركزية والإقليم، وإعادة تأسيسها في إطار سياسي وقانوني يجعل من العراق الموحد خياراً كردياً بالدرجة الأولى.