يأتي إنشاء «مجلس الأمن السيبراني» في دولة الإمارات العربية المتحدة تجسيداً لرؤية القيادة الرشيدة في حماية مكتسبات الدولة ومسيرتها المتميزة في التوجه باقتدار نحو مستقبل رقمي متقدم في القطاعات كافة. وكان مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، قد اعتمد نهاية الشهر الماضي إنشاء «مجلس الأمن السيبراني»، ليكون دعامة أساسية في حماية مؤسسات الدولة من أشكال التهديدات السيبرانية كافة، ولا سيما مع الارتفاع الهائل في أعدادها وتعقيدها للتطور المتسارع في الخدمات الرقمية، وزيادة اعتماد البشرية على الإنترنت للظروف التي تستمر جائحة «كوفيد-19» في فرضها.
ويعكس تأسيس «مجلس الأمن السيبراني» ترجمة لسياسات وأهداف الأمن الوطني في دولة الإمارات فيما يتعلق تحديداً بضرورة الاستعداد الاستباقي للتعامل مع مختلف التحديات التي تفرضها التقنيات الرقمية المتسارعة، التي تدفعنا نحو عالم رقمي متكامل يعتمد بشكل شبه كلي على الأنظمة الذكية المؤتمتة والتخزين السحابي والبيانات الكبيرة والاتصالات العالية السرعة والشبكات التي تربط كافة الأشياء حولنا بالإنترنت. هذه البيئات تتطلب بالفعل وجود جهة فاعلة تضطلع بمهام تعزيز أشكال الحماية الرقمية بما يؤمّن البنى التحتية ويدعم استمرارية أعمال أنظمتها الإلكترونية، التي باتت تشكل عماد غالبية أنشطة حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها.
وتظهر أهداف عدّة من تأسيس «مجلس الأمن السيبراني»، فدولة الإمارات تشهد زخماً كبيراً في التحول نحو بيئات ذكية متكاملة، الأمر الذي يزيد وبشكل متوقع من تعرض مؤسساتها للهجمات السيبرانية كحال غيرها من الدول المتقدمة. وبالتالي سيكون من مهام هذا المجلس وضع إطار عام يتعلق بمشاركة وحوكمة معلومات الأمن السيبراني مع الجهات ذات العلاقة، محليّاً ودوليّاً، ورفعها إلى مجلس الوزراء للاعتماد، هذا مع إعداد السياسات اللازمة التي تدعم الأمن السيبراني في القطاعات الحيوية، بما في ذلك تأكيد الجاهزية العالية لهذه القطاعات في التعامل مع مختلف التهديدات السيبرانية الحالية والمستقبلية. وتتضمن أعمال المجلس كذلك تطوير وتحديث «استراتيجية الإمارات الوطنية للأمن السيبراني» لتضاهي، بل وتتفوق في معاييرها وآلياتها على أكثر استراتيجيات الأمن السيبراني تقدماً في العالم. ولا يخفى على أحد ما تتمتع بها دولة الإمارات اليوم من بيئة أعمال رقمية متطورة عالميّاً، وهو ما يتطلب تميزاً في توقع التهديدات السيبرانية وصد مخاطرها المحتملة بكل كفاءة. ولذلك يمثل إنشاء مجلس للأمن السيبراني في دولة الإمارات عاملًا في زيادة ثقة الشركات العالمية بالكفاءة العالية للدولة في تأمين المناخ الآمن لأنشطتها الرقمية، وبما يضخ مزيداً من الثقة والاطمئنان للاستثمار الأجنبي في الدولة كبيئة جاذبة للأعمال مستقبليّاً.
من الجدير بالذكر أن الأسبوع المنصرم شهد انطلاق «أسبوع جيتكس للتقنية» في دبي، الذي قدّمت دولة الإمارات خلاله الدليل على نجاحها في تأمين بيئة رقمية متطورة، حيث شارك في المعرض في نسخته الأربعين هذه السنة أبرز الشخصيات والشركات التقنية العالمية، وبحضور واسع من نخبة من الخبراء الدوليين في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، كما برز تحت مظلة أعمال الأسبوع «معرض ومؤتمر الخليج لأمن المعلومات (جيسيك)» الذي يعد إحدى أهم الفعاليات الإقليمية في مجال تقنيات الأمن السيبراني، الذي عُرضت فيه توجهات «مجلس الأمن السيبراني» لمشاريعه في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، لبناء بيئات أكثر أمناً ومرونة ما بعد جائحة «كورونا»، وبما يدعم مستويات الأمن الرقمي للمجتمع الإماراتي والاستعداد الاستباقي للقطاعات الحيوية في الدولة، هذا مع تسخير هذه التقنيات المتقدمة لتعزيز سرعة الاستجابة للتنبيهات الأمنية وزيادة تأهب الجهات الحكومية المعنية في التعامل مع التهديدات السيبرانية كافة، بما يهيئ الإمارات في المستقبل القريب لأن تكون الدولة الأكثر أمناً في الفضاء الإلكتروني عالميّاً.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.