رويداً رويداً تقترب الإنسانية من الانتصار على جائحة كورونا، تلك التي تسببت في جرح غائر بجسد وروح البشرية قرابة عام. وعلى الرغم مما يشاع من أقاويل حول اللقاحات، إلا أنها في نهاية المطاف الحل الوحيد المتاح لمواجهة هذا الخطر الداهم.
عام غير مسبوق في تاريخ الكرة الأرضية المعاصر، ربما لم يسبقه سوى جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، وعلى الرغم من الأكلاف الفادحة التي خلفتها الجائحة على صعيد الحجر والبشر، فإن الوجه الآخر للعملة هو الدروس المستفادة، والاستنتاجات من متابعة كيفية تصرف الأمم والشعوب.
أحد الأقوال اللاتينية الموروثة من زمن الإمبراطورية الرومانية هو:«النصر حليف المستعدين»...ما الذي نعنيه بهذا التعبير؟ باختصار أظهر كوفيد- 19 أن هناك دولاً لديها منظومات حكومية رشيدة استطاعت أن تقفز على الألم والخوف اللذان أوجدتهما الجائحة. خذ إليك دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي ضربت مثلاً بليغاً في النجاح من منطلقات عدة.
يمكن الإشارة بداية إلى أن الاهتمام المسبق بالمنظومة الطبية، قد وفر على الإمارات خطوات عريضة من السعي وقت الأزمة، فلم يحدث ارتباك في القطاع الطبي الإماراتي للحظة واحدة، ومن هنا وجد المرضى الرعاية والعناية اللازمة ومن غير خوف من أهوال الفيروس الفتاك. الذين يقدرون لأرجلهم قبل الخطو موضعها في الإمارات، هم الذين استشرفوا قبل عقود أهمية البحث العلمي، والذي وفرت له الإمارات الدروب والمسالك المطلوبة لترتقي إلى مصاف الدول المتقدمة، ومعيار تلك الدول هو توفير الحاجات المختلفة لمواطنيها في أي وقت، وفي المقدمة منها خدمة الدواء والطبابة.
التجربة الإماراتية في زمن كورونا، أفرزت أمرا مهماً ويستدعي النظر إليه على المستوى العالمي بعد انفراج الأزمة وزوال الغمة، ألا وهو فكرة النسيج الاجتماعي الإنساني الواحد والمتماسك. أظهرت الإمارات وجهاً إنسانيا خلاقاً وبراقاً على هذا الصعيد، وسوف يذكر التاريخ كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال الأزمة، تلك التي وجهها للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وفيها بث رسالة طمأنينة في نفوس الجميع، فكل من يسكن أرض الإمارات هو مسؤولية قادة الدولة، وقد كان ذلك ضربا من ضروب المدينة الفاضلة، التي يتمتع فيها الجميع بالرعاية. عالم ما بعد كورونا، استبقته الإمارات، لكن عن أي عالم نتحدث؟ عالم إنسانوي أكثر تضامناً، عالم فيه المعايير الأخلاقية والقيم الإنسانية تتقدم النرجسيات غير المستنيرة، والبراجماتيات الضارة، عطفاً على الأصوليات المهلكة والعلمانيات الضيقة.
خلال أزمة كورونا ضربت الإمارات مثالاً في التعاطي الإيماني والوجداني بالإنسانية، وقبل التوقف عند حدود أو سدود المذاهب والمعتقدات، فقد صالت وجالت طائرات الإمارات في سماوات العالم حاملة المساعدات الاقتصادية، من غذاء وكساء ودواء إلى أبعد نقطة جغرافيا، هناك عند قبائل الأمازون، ما أكد على صدقية ما قلنا به من قبل، أن الإمارات دولة صاحبة رسالة إنسانية راقية. عالم ما بعد كورونا تجلى مؤخراً في عدد من قرارات الإمارات التي فتحت الأبواب للعلماء والنجباء من الأطباء وبقية أصحاب المهن والحرف، العلوم والمبتكرات، من أجل إقامة ذهبية، فقد تكشف لها ومن قبل كورونا أن سلعة القرن الحادي والعشرين هي المعرفة، والتحدي الحقيقي هو في مواجهة المرض والعوز، والانتصار طريقه المعامل الطبية والمخترعات التكنولوجية التي تيسر من حياة الناس وتجعل الحياة تجربة محبوبة ومرغوبة.
قادة الإمارات يجيدون قراءة التاريخ، والذين يقرؤون لا ينهزمون.
*كاتب مصري