تشهد فرنسا مظاهرات في عدة مدن فرنسية انطلقت تنديداً بقانون أمني قيد الإعداد، يسمى «قانون الأمن الشامل» والذي تلقّى الضوء الأخضر من الجمعية الوطنية. ويعتبر منظمو المظاهرات أن القانون ينتهك الحريات في بلد تهزه منذ أسابيع قضية جديدة تتعلق بـ«عنف أفراد الشرطة».
وتتناول الاحتجاجات التي تصاعدت إلى أن أثارت أزمة سياسية، ثلاثةَ بنود من مشروع «قانون الأمن الشامل» تتعلق بنشر صور ومقاطع فيديو لعناصر الشرطة أثناء أداء عملهم، واستخدام قوات الأمن للطائرات المسيرة وكاميرات المراقبة. ورأت التنسيقية الداعية إلى التجمعات أن مشروع القانون المذكور «يهدف إلى النيل من حرية الصحافة وحرية الإعلام والاستعلام وحرية التعبير، أي باختصار الحريات العامة الأساسية في جمهوريتنا». وتنص المادة 24 التي أثارت كل هذا الضجيج على عقوبة بالسجن سنة ودفع غرامة قدرها 45 ألف يبث صوراً لعناصر من الشرطة أو الدرك بدافع «سوء النية». وأكدت الحكومة، مدافِعةً عن ذلك، أن هذه المادة تهدف إلى حماية العناصر الذين يتعرضون لحملات كراهية ودعوات للقتل على شبكات التواصل الاجتماعي. 
إلا أن معارضي النص يؤكدون أن الكثير من قضايا العنف التي ارتكبتها الشرطة ما كانت لتكتشف لو لم تلتقطها عدسات صحافيين وهواتف مواطنين فرنسيين عاديين. ويؤكد هؤلاء أن القانون الجديد غير مجد؛ إذ أن القوانين الحالية كافية للتصدي لجرائم كهذه، لافتين إلى أن القانون الفرنسي «يعاقب الأفعال وليس النوايا».
وقد تزامن كل هذا مع نشر صور كاميرات مراقبة تظهِر ثلاثة عناصر من الشرطة يعتدون بالضرب المبرح على منتج موسيقي من أصول أفريقية.
وحيال موجة التنديد بالمادة 24، سعى رئيس الوزراء جان كاستيكس لإيجاد مخرج من خلال تشكيل «لجنة مستقلة مكلفة باقتراح صياغة جديدة». لكن المبادرة اصطدمت باستياء البرلمانيين من جميع الأطياف، إذ اعتبروها إشارة «ازدراء»، ولقيت «معارضة» قوية، لاسيما من رئيس الجمعية الوطنية ريشار فيران من حزب «الجمهورية إلى الأمام» (الغالبية الرئاسية). وتطالب تنسيقية المظاهرات بـ«سحب المواد 21 و22 و24 من اقتراح قانون الأمن الشامل، وسحب الخطة الوطنية الجديدة لحفظ النظام». وتلزم تلك الخطة، التي أُعلن عنها في سبتمبر الماضي، الصحافيين خلال المظاهرات على التفرق حين تصدِر قوات الأمن أمراً بذلك، ما يمنعهم من تغطية الأحداث خلال هذه التجمعات التي تتخللها اضطرابات.
وفي الصالونات الفرنسية المغلقة والمحدودة بسبب تداعيات فيروس كورونا، هناك حديث عن فقدان الثقة داخل المجال السياسي العام، خاصة عندما تنضاف إلى المشاكل الاقتصادية والمالية اليومية التي يعانيها الفرنسيون، مشاكل تمس حقوق الناس وحرياتهم في بلد ظل منذ قرون موطن الأنوار والحريات وحقوق الإنسان. فالفرنسيون لم يعودوا يثقون في نجاعة الديمقراطية التمثيلية، ولا في الأحزاب السياسية. 
عندما وصل المرشح الشاب إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه، صفَّق له الجميع، إذ كان يقدم نفسه على أنه «لا من اليمين ولا من اليسار»، وأنه نموذج الطبقة الفرنسية المثقفة.
لكن مع بروز «حركة السترات» الصفراء بسبب «سياسة الطاقة»، ومع المظاهرات الأخيرة على خلفية «قانون الأمن الشامل».. تغير كثير من الأفكار والنظرات. فهناك حالة من الإحباط ليس فقط من اليمين واليسار التقليديين اللذين هيمنا على المشهد السياسي في البلاد طيلة عقود، ولكن من كل الأحزاب، فلم يعد الفرنسي اليوم يثق في التوجهات السياسية ولا في ممثليها، وهذا له أكثر من مائة مدلول في سوسيولوجية العلوم السياسية فيما يتعلق بالمجال السياسي العام، وأيديولوجيات الأحزاب، والعمل السياسي، والسياسات العمومية.. إلخ. 
الرسالة التي وصلت للجميع، هي أن نفاد صبر الطبقات الاجتماعية في مجتمع صناعي ديمقراطي قد يحدث زلزالاً يصعب معه إيجاد حلول. ومع فقدان الثقة في الأحزاب وممثليها، فإن كل حلول تُقَدم سيكون مصيرها الرفض. فرنسا دولة مؤسسات، وهذا ما يفسر أن الاحتجاجات المتتالية لم تحدث زلزالاً كلياً، لكن إلى متى؟ بعض الخبراء يقولون إن هذه الاضطرابات الاجتماعية والسياسية ستؤثر بشكل بالغ على فرنسا، وسيخضع المجتمع الفرنسي لعملية تحوّل مع إلغاء العديد من المكتسبات الديمقراطية والاقتصادية التي راكمها منذ قرون.