«إن صناعة المستقبل تتطلب رؤية واضحة، واستشرافاً مبكراً للفرص والتحديات، وشجاعة في اتخاذ القرارات المعززة لجاهزية الدولة»، تلك مقولة أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، ضمن كلمة سموه بمناسبة اليوم الوطني الـ49 للدولة، ومن يتمعن قليلاً في مغزى تلك الكلمات البسيطة لا يسعه سوى الإقرار بصحتها في مختلف مجالات التنمية والتطوير، التي شهدتها الدولة منذ قيامها في الثاني من ديسمبر 1971. فقد كانت، وما زالت، رؤية قيادة الإمارات أبعد وأكبر من انضمام الدولة لدول العالم وعضوية المنظمات الدولية فقط، إذ كان القرار الشجاع الذي تم اتخاذه عشية قيام دولة الاتحاد هو ضرورة التميز والريادة على المستوى الإقليمي والدولي في شتى المجالات من خلال استشراف دقيق وعلمي للمستقبل وتحدياته المتوقعة. 
وقد كان في مقدمة التحديات التي تطلبت اتخاذ قرارات شجاعة تستشرف المستقبل وأهميته، تحدي نشر الأمن والأمان في ربوع الوطن لينعم الجميع بالاستقرار في ظل خطط بناء الدولة، وكانت المحصلة تصدر الإمارات منذ 3 أعوام قائمة الدول الأكثر سلامة وأماناً في المنطقة العربية، وحلّت ثانية بوصفها أكثر الدول سلامة وأماناً في العالم، بحسب تقرير أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، ثم كانت البنية التحتية، وأبرزها تقنية المعلومات، من أبرز التحديات أيضاً التي تطلبت استشراف المستقبل إيماناً من القيادة بالأهمية الاستراتيجية لذلك المجال على مستوى العالم، وقد ثبتت صحة هذه الرؤية أثناء تفشي فيروس كوفيد- 19 مطلع العام الحالي، إذ ساهمت البنية التحتية التقنية في نجاح وفاعلية عمليات التعليم والعمل عن بعد، ثم يأتي تحدي بناء القطاع الصحي ضمن أبرز التحديات التي استشرفت القيادة مستقبلها وكانت المحصلة النجاح الباهر للمنشآت الصحية في مواجهة الجائحة واستيعاب أعداد المصابين بالفيروس بجانب المرضى الذين يعانون من أعراض صحية أخرى. 
تلك النجاحات كانت جزءاً من إجراءات أكبر في استشراف المستقبل الخاص بالطوارئ والأزمات والكوارث، وقد تمثل ذلك في إنشاء الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث عام 2007، والتي تلعب منذ ذلك الحين دوراً استراتيجياً في تحديد وتحليل المخاطر المستقبلية التي قد تقع في الدولة ووضع خطط الاستجابة الخاصة بها وإعداد وتجهيز كافة الجهات المعنية الاتحادية والمحلية لمواجهتها وأبرزها خطط إدارة استمرارية الأعمال، والتي كان لها الدور الأكبر في حماية اقتصادنا أثناء الجائحة، أضف إلى ذلك نجاح قيادة الدولة في استشراف المستقبل الخاص بالغذاء واحتمالات تعرض سلاسل إمداده العالمية للانهيار نتيجة للأزمات والكوارث، فقامت بإنشاء أول وزارة خاصة بالأمن الغذائي على مستوى العالم، والتي أطلقت الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، التي نجحت أثناء جائحة كورونا في توفير السلع الغذائية للمواطن والمقيم في وقت أدت فيه الجائحة إلى إغلاق معظم أسواق تصدير السلع الغذائية في العالم، ومن التحديات التي تطلبت استشراف المستقبل أيضاً، مجال استكشاف الفضاء وتأثيره على الحياة على الأرض، ونتيجة لذلك قامت الدولة بتأسيس قطاع الصناعات الفضائية لتنضم إلى قلة قليلة من الدول المتقدمة في مجال علوم الفضاء. 
ولكن التحدي الأبرز الذي وضعته القيادة نصب أعينها، وكان له الأثر المباشر على تطور الدولة، هو إعداد وتأهيل المواطن في كافة العلوم والخبرات والمهارات، لكي يساهم في بناء المجتمع، وكان لاستشراف المستقبل دور بالغ الأهمية في هذا الأمر، إذ خططت القيادة لإعداد نوعية المواطنين الأكفاء المؤهلين الذين حققوا النجاح تلو الآخر في مسيرة استشراف المستقبل لدولة الإمارات العربية المتحدة.