تتجه جميع أعين سياسة المناخ إلى واشنطن هذه الأيام، وذلك لسبب وجيه، فكون الرئيس المنتخب جو بايدن يضع تغير المناخ بين أولوياته الأربع الأولى، أمر يعد بإحراز تقدم كبير في هذا المجال على الصعيد الفيدرالي، مع مجلس الشيوخ أو بدونه. لكن لا يمكن تناسي الولايات كمحرك أساسي لتقدم المناخ.
وخلال السنوات الأربع لإدارة ترامب، كانت الولايات بمثابة دعامة، بينما كان العمل الفيدرالي بشأن المناخ يتراجع. ومع ذلك، فإن الدور الذي تلعبه الولايات يتجاوز ذلك بكثير؛ فهي غالباً ما تكون بمثابة مختبر للأفكار الجديدة بالإضافة إلى كونها قناة يمكن من خلالها للوكالات الفيدرالية تحقيق التقدم.
وعادة ما يتم اعتبار ولاية كاليفورنيا الولاية الأكثر تقدماً في جدول أعمال المناخ. وهي كذلك، لكنها ليست وحدها. ووفقاً لمركز حلول المناخ والطاقة، فإن 23 ولاية، بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا، لديها أهدافها الخاصة لخفض غازات الاحتباس الحراري. وهناك ولايات متنوعة، مثل نيويورك ومونتانا ولويزيانا، لديها أهداف الوصول بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى الصفر بحلول منتصف القرن. وتمتلك عشر ولايات شمالية شرقية نظاماً لتجارة انبعاثات قطاع الطاقة يحد من انبعاثاتها ويحدد سعراً للطن المتري من ثاني أكسيد الكربون، وإن كان منخفضاً. وتستعد فرجينيا للانضمام في عام 2021 لتصبح الولاية الحادية عشر، في حين أن كاليفورنيا لديها نظامها الاقتصادي بالإضافة إلى سياسات طموحة خاصة بالقطاع.
وفي الوقت نفسه، تمتلك 29 ولاية (ومقاطعة كولومبيا) حافظة معايير متجددة، وهو أمر يتطلب قدراً معيناً من مزيج الكهرباء في الولاية ليكون منخفضاً أو خالياً من الكربون. وتعمل هذه المعايير على خفض الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 10 و25%.
ويسارع الاقتصاديون إلى تذكيرنا بأن هذه التخفيضات لها تكلفتها العالية، وقد خلص تحليل حديث أجراه الاقتصاديان بجامعة شيكاغو «مايكل جرينستون» و«إيشان ناث» إلى أن التكاليف تتراوح بين 60 و300 دولار لكل طن متري من ثاني أكسيد الكربون، وهي أعلى بكثير من أسعار الكربون في كاليفورنيا وحتى في الاتحاد الأوروبي حيث تصل هذه الأسعار 17 و32 دولاراً على التوالي.
وذلك ما يوضح أن معايير قطاع الطاقة أكثر طموحاً بشكل ملحوظ من أنظمة الحد الأقصى والتجارة الحالية، وأيضا تحقيق المزيد من خفض الانبعاثات. وقد تكون الأسعار المرتفعة المدفوعة تستحق ذلك. فهي، قبل كل شيء، في نطاق أحدث تقديرات تكلفة الكربون البالغة 100 دولار، وغالباً ما تكون أعلى من ذلك بكثير.
وتعد سياسات قطاع الكهرباء على مستوى الولاية كذلك جزءاً مهماً من سياسة المناخ الفيدرالية. فاللجنة الفيدرالية لتنظيم الطاقة (FERC) هي هيئة مستقلة مكلفة بتنظيم نقل الكهرباء بين الولايات، وبمراجعة مشاريع البنية التحتية للطاقة. ومهمتها القانونية هي التنظيم الاقتصادي، مما يجعلها صوتاً أقوى في مكافحة التغير المناخي. وقد ظهرت قوة اللجنة الفيدرالية لتنظيم الطاقة وبالتالي تهديد المصالح الأحفورية في المقدمة، مع خفض رتبة «نيل تشاترجي»، مستشار الطاقة السابق لزعيم الأغلبية الجمهوري في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، والذي عينه ترامب. فقد تم استبداله انتقاماً لدعم «تسعير الكربون الذي تحدده الولاية» في أسواق الكهرباء بالجملة. بينما تستعد إدارة بايدن للبحث عن دور أشمل للجنة الفيدرالية في النهوض بالعمل المناخي، وسيظل جزءاً كبيراً من هذا التأثير يعتمد على سياسات الولايات.
وتعد الولايات مختبراً مهماً للأفكار الجديدة في هذا المجال. فولاية كاليفورنيا، رغم أنها غالباً ما تكون في المقدمة، فهي بعيدة كل البعد عن كونها وحيدة. ففي عام 2018، شهدت ولاية واشنطن فشل مبادرة تسعير الكربون على مستوى الولاية في صناديق الاقتراع، إلى حد كبير، وذلك بسبب معارضة صناعة الوقود الأحفوري الشديدة. وأنفقت صناعة النفط 31 مليون دولار للتغلب على هذا الإجراء، في مقدمتها 13 مليون دولار من شركة بريتيش بتروليوم وحدها.
إن الحملة في ولاية واشنطن مستمرة، وهذه المرة مع تطور مهم محتمل بعد الوباء: ربط ضريبة الكربون بالسندات الخضراء التي تركز على الاستثمار لتحقيق انتعاش اقتصادي أخضر. وكانت للولاية خبرة سابقة مع سندات مماثلة، حيث جمعت أكثر من 50 مليون دولار في عام 2015 للاستثمار في عدد من جهود كفاءة الطاقة والحفاظ عليها.
وهناك ميزة إضافية: تساعد فكرة السندات الخضراء المرتبطة بمصدر إيرادات جديد في حل القيود المالية الملزمة على مستوى الولاية. كما أنها ترتبط بشكل جيد مع شعار بايدن «إعادة البناء بشكل أفضل». في حين أن فكرة ولاية واشنطن قد لا تكون بمثابة نموذج لواشنطن العاصمة، بشكل مباشر، قد تتكرر نسخ الفكرة في ولايات أخرى تواجه مواقف مالية مماثلة.
إن معظم هذه الجهود على مستوى الولايات تمضي بالفعل من القاعدة إلى القمة، وقد تم تطويرها في البلديات والولايات. ومع ذلك، قد يكون هناك أيضاً دور لإدارة بايدن. إن مبدأ اختبار السياسات الحكومية الكبيرة في العديد من البرامج التجريبية المحلية والإقليمية قبل التنفيذ على الصعيد الوطني ليس متأصلا في الولايات المتحدة كما هو الحال في الصين مثلا، حيث يتم التركيز على نقاط الدخول المحلية واختبار السياسات الوطنية.

*أستاذ في جامعة نيويورك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»