يقول بعض الذين لا يربطهم بالتجربة الإماراتية ود أو صداقة، إن دولة الإمارات العربية المتحدة، إنما هي كائن جديد لا يمكن مقارنته مع دول أخرى في المنطقة والعالم، وينبغي ألا تقوم بتصدير تجربتها للآخرين. 
يظن هؤلاء أنهم بهذه المعادلة الهشة يستطيعون أن يهزموا الإماراتيين، وأن يخدشوا شموخهم، وفات عليهم أن الإماراتي والإماراتية أبعد ما يكونون عن مدى هذه النظرة القاصرة لثلاثة أسباب:
أولها أن عمر الإمارات ليس تسعة وأربعين عاماً، وإنما هو ممتد لآلاف السنين في هذه المنطقة من العالم. وما هذا الاتحاد الذي تحقق في العام 1971 إلاّ إعادة تشكيل للبنية السياسية التي تظلل ساكن هذه الأرض. الإمارات ليست كياناً مستحدثاً، والإماراتيون ليسوا هجيناً من شعوب مختلفة اجتمعت في مكان واحد تحت ظروف معينة. الإمارات جزء ثابت من خريطة شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين، والإماراتيون أبناء دم واحد وسحنة واحدة، وإن اختلفت أسماؤهم. الإمارات العربية المتحدة ولدت قبل تسعة وأربعين عاماً، هذا صحيح، لكن علينا دائماً أن نكمل الحديث ونقول، إنها وُلدت لتكمل قصة عظيمة بدأت منذ قرون طويلة. الإماراتيون اليوم يحتفلون بمرور 49 عاماً على اتحادهم، وفي الوقت نفسه يحتفلون بعمق تجربتهم وثراء مكتسباتهم الموغلة في التاريخ.
وثانيها أن التجربة الإماراتية في الحكم، تقوم على توافق تاريخي امتد لقرون بين الشعب والقيادة الحاكمة، وهو ما ما أسميه اختصاراً بـ«الحكم الرشيد»، كل النظريات السياسية للحكم تهدف في النهاية إلى صناعة بيئة سياسية تُفضي إلى «الحكم الرشيد»، وهذا أمر وعاه مبكراً الإماراتيون وأخوانهم في دول الخليج، فاختاروا طريقتهم الخاصة في الحكم الرشيد، ما ساعدهم على عبور التاريخ الحديث وهم متماسكين غير مقامرين بأمنهم وأمانهم. ويكفي فقط أن ننظر إلى بعض دول الجوار (الغنية جداً) التي سقطت في أربعينات وخمسينات القرن الماضي في فخ المغامرات السياسية والمقامرات الثورية، الأمر الذي انعكس سلباً على واقع شعوبها اليوم، لنعرف الفرق بين الحاكم الطارئ والحاكم الراشد. 
وثالثها إن تجربة الإمارات اليوم تعد بحق نموذجاً مثالياً لقدرة المسلمين على صناعة مستقبلهم بنجاح منقطع النظير. ففي وقت ينظر فيه العالم إلى «الحالة الإسلامية» بعين الريبة والشك والتشكك، فإن أبوظبي ودبي وباقي مدن الإمارات تقوم منذ بدء الألفية الجديدة بحملات علاقات عامة كبيرة لتحسين صورة العرب والمسلمين. تقول هذه المدن لزوارها من الأجانب: هذه هو الوجه الحقيقي للعروبة. هذا هو التطور الذي تحميه المظلة الإسلامية. هذا هو القانون الذي يترعرع في فضاءات الرسالة المحمدية. هذه هي أخلاقيات التعامل التي كفلها الإسلام للبشرية. هذا هو التنوع الذي لا يزدهر إلا في البيئات الإسلامية المتسامحة. هذا هو الإسلام في صورته المدنية.
إن الإمارات وهي تحتفل اليوم بيومها الوطني تقول للعالم: هكذا يُصنع المستقبل.
*كاتب سعودي