بعد 10 سنوات من المفاوضات غير المباشرة، أعلن الوسيط الأميركي ديفيد شينكر الاتفاق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على آلية للمفاوضات على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. وبعد أربع جولات جرت في رأس الناقورة، بداية من منتصف أكتوبر الماضي، بضيافة مقر الأمم المتحدة، تعثرت المفاوضات، وأصيب الوسيط الأميركي بـ«خيبة أمل» كبيرة، وربما نتيجة سوء تقدير منه للموقف اللبناني الذي فاجأ الجانبين الأميركي والإسرائيلي بسقفه المرتفع، وبطلبه استعادة 1430 كلم مربع، إضافة إلى 863 كلم المتنازع عليها، والتي كانت واشنطن وتل أبيب تسعيان إلى حصر التفاوض في نطاقها. 
وحيال هذه التطورات السلبية، تقرر تأجيل الجولة الخامسة التي كانت مقررة الأربعاء الماضي، إلى أجل غير مسمى. ورغم الخلاف الكبير بين الطرفين المتفاوضين حول الكثير من التفاصيل، فقد برز توافق ضمني بينهما على عدم الجهوزية لإبرام «اتفاقية دولية» لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة في الحدود البحرية، خصوصاً أن الظروف الأمنية والسياسية غير ملائمة، وكذلك التطورات الإقليمية والدولية.. الأمر الذي يتطلب من الوسيط الأميركي القيام باتصالات مكثفة لتقريب وجهات النظر، ولإعادة وضع إطار عام للتفاوض، ولبلورة نقاط مشتركة يمكن البناء عليها. 
لقد كان الفرقاء الثلاثة يستعجلون إنجاز المفاوضات، فالفريق الأميركي كان يسعى إلى تحقيق إنجاز في هذا الملف تستفيد منه إدارة الرئيس دونالد ترامب قبل رحيلها. وإذا كان لبنان بحاجة ملحة لاستثمار ثرواته من النفط والغاز لحل مشاكله المالية والاقتصادية، فإن إسرائيل أكثر حاجة لتحقيق استثمارات متقدمة، تتعلق بشركات دولية ستنفق أموالا طائلة، لكنها ليست مستعدة لوضعها في مناطق متنازع عليها. لذلك وُصفت «الاتفاقية» المستهدفة من المفاوضات بأنها ليست اتفاقية سلام أو تطبيع، ولا اتفاقية تقنية عسكرية، وربما تكون أكثر من «اتفاقية أمنية»، تهدف إلى حماية الاستثمارات، بما يشجع الشركات العالمية بقيادة الشركات الأميركية على الاشتراك في جولة التراخيص الثالثة الإسرائيلية لاستثمار البلوك رقم 72 والواقع بمحاذاة الحدود اللبنانية. وكذلك الاشتراك في جولة التراخيص الثانية اللبنانية التي أُجِّلت عدة مرات بسبب ضغوط دولية.