ربما يكون التناقض بين الأفكار والأفعال مصدراً للإبداع والإلهام في بعض الأحيان، ويكون الإبداع إيجابياً حين يتمخض عن فكرة مفيدة ونافعة تحقق مصلحة الفرد والمجتمع وربما البشرية قاطبة. لكن ثمة الآن في حياتنا كمجتمعات بشرية معاصرة، كثيرا من التناقضات؛ فنحن نريد العيش في مدينة افلاطون، لكننا لا نتقن التصالح مع أنفسنا ومع بعضنا البعض ومع أصدقائنا وأقاربنا ومعارفنا.. نريد أن نقلد الآخر في الشكل والملبس والمأكل، ونمارس سلوكاً يعارض قيمه. لقد أصابنا الشك في أنفسنا وفي من حولنا، حتى باتت ذواتنا تتشظى بلا هوادة، من هول ما نقع فيه من تناقضات عجيبة وغريبة. نمارس ازدواجية مضطربة ومتوترة في العمل والمنزل، ازدواجية يضاهيها أي تناقض في الدنيا إلا في داخلنا نحن في هذا الزمن المرتبك والمتلعثم.
لقد فشل الإنسان المعاصر في كثير من مفاصل حياته ومازال يكابر ويتعنت ويزايد ويرى نفسه الأفضل والأقوى والأجدر والأجمل والأرقى والأذكى.. وهو في حالة ارتباك وسبات وغياب. لا يجد البوصلة أو خارطة الطريق الواضحة التي تدله على الطريق المؤدي إلى بر الأمان والاستقرار والطمأنينة. وهكذا بات يتلقى الضربات تلو الضربات، والأزمات تلو الأزمات.. ولا يعلم متى ولا من أين تأتي ولا كيف ستنتهي سلسلة مشكلاته المتواصلة، وما يزال يتعامل مع الأحداث بردود الأفعال، دون أن يقدم مبادرة تعيد له الاعتبار ككائن أخلاقي صاحب رسالة تضعه في مركز الكون.
أما كمجتمعات عربية فقد أصبح البعض يشك في تاريخنا الأصيل الذي كان حافلا بالإنجازات والنجاحات وصناعة الأحداث المهمة، من خلال ما قدمته الأمة العربية من مفاخر وإنجازات لا تقل شأواً عن نظيرتها لدى الأمم الكبرى في التاريخ. 
واليوم نتباكى على الماضي ونجتر التاريخ ونتذكر منجزاتنا السابقة، حين كنا نؤمن بالعقل ونقرن النظرية بالتطبيق، حين كنا نؤمن بأن «الدين المعاملة»، ونطبق ذلك في القول والعمل. 
أما اليوم فأصبح كثير من العرب مصدر تهكم وتندر وسخرية، مما أصابهم بإحباط ويأس وخمول في التعامل مع الآخرين، حتى باتوا بحاجة إلى مصحات نفسية لتأهيلهم وإعادة تكوين تركيبتهم السيكولوجية.
يعيش كثير من العرب حالة انفصام وانفصال عن الواقع واغتراب عن الآخرين الذين سبقوهم وتطوروا وتقدموا ونهضوا بتجاربهم في البناء النهوض، وتجاوزوا كل الخلافات والنزاعات ليسموا على الجراح، وتخلوا عن سلبياتهم وعقدهم السابقة، متجاوزين كل المعوقات من قبيل القيل والقال والتنابز بالألقاب وتناسل الأحقاد (الطائفية والمذهبية والأثنية..) واهتموا ببناء أوطانهم وتشييد مشاريعهم وتطوير مجتمعاتهم وتكوين وتأسيس شخصيات أبنائهم كفاعلين منتجين متميزين ومبدعين ومتسلحين بالعلم والمعرفة والذكاء الاصطناعي الجديد.. حتى لا يعيشوا في أحلام وأوهام يطاردون سراب الأيديولوجيات البائدة والمغرضة والحاقدة، التي تجعل الأسر تتآكل والمجتمع يتناحر.. أيديولوجيات مريضة يحيك أصحابها المكائد وينسجون المؤامرات وينشرون ثقافة الغدر والانتقام. وبسبب هذه الأيدلوجيات العقيمة ظلت مجتمعات عربية تراوح مكانها في دائرة مغلقة، لا تنظر إلى المستقبل على أنه قريب، بل كسراب غائب لا يمكن إدراكه، ولا تنظر إلى الماضي باعتباره زمناً انتهى وأصبح من التاريخ، ولا تعتبر الحاضر على أنه واقع حال.. لذلك وضعت هذه المجتمعات نفسها في متاهة غامضة واضطراب عظيم لا مخرج منها بغير العقل والحوار وقبول الآخر. 

*كاتب سعودي