العالم الذي يجنح إلى السلم ويحاول الابتعاد عن الحرب قدر المستطاع، بفعل جائحة كوفيد 19 وليس بفضلها، أتاح أن تقترب الدول من بعضها البعض، سواء من خلال التعاون الاستراتيجي المباشر أو التحالف أو من خلال المؤتمرات العالمية، وقد رأينا هذا الأسبوع، الحليفة القوية والصديقة الشقيقة، المملكة العربية السعودية، تنجح نجاحاً مبهراً في تنظيم قمة العشرين، ويجتمع تحت قيادة خادم الحرمين الشريفيين وولي عهده الأمين، أقوى دول العالم، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وكانت الإمارات، ضيفة شرف القمة، حاضرة بثقلها الذي شهده العالم فشهد لها.
لا شك أن خطوط الدفاع المتعددة، تلعب أدواراً كثيرة في تحقيق حالة السلم والسلام، ومن بينها الديبلوماسية العسكرية أو ما يُطلق عليه الدبلوماسية الدفاعية، وهي استراتيجية تتيح للسفراء أو للملحقين العسكريين في سفارات الدول، الاطلاع على ما يدور في ذهن الدولة المضيفة، من خلال المشاركة والنقاش، حول أفضل سبل تطوير العلاقات، قد تبدو للوهلة الأولى بأنها مجرد مجاملات تساهم في تعميق الصداقة، لكنها على أرض الواقع، تدفع دائماً إلى توثيق العلاقات الدولية الثنائية، واستكشف وسائل التعاون الاستراتيجي، ووضع خريطة توضح آلياتها.
مصطلح الدبلوماسية الدفاعية ليس جديداً في عالم السياسة، وقد يكون مصعب بن عمير بن هاشم، أول سفير في الإسلام، الذي أرسله النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة، بعد بيعة العقبة الأولى، هو أول من مارس الدبلوماسية الدفاعية على وجهها الصحيح، فوثق العلاقات وعمل على ترسيخها، وساهم في تهيئتها لقبول الدين الجديد واستقبال نبيه المصطفى، عليه الصلاة والسلام، وتوالت بعدها استخدامات هذه الدبلوماسية التي تعمل دائماً في اتجاه واحد يهدف لتقريب وجهات النظر، ونزع أي فتيل قد يؤدي للعداء في المستقبل القريب أو البعيد، وكذلك لبناء ثقة محكمة متبادلة.
بعد الحرب العالمية الثانية، اضطرت بريطانيا إلى تفعيل الدبلوماسية العسكرية، لتهيئة الدول الغربية أن تتناغم مع بعضها البعض، في ظل الأجواء المشحونة آنذاك، مثل انضمام دول كألمانيا الاتحادية إلى حلف الناتو في العام 1955، وانضمام جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى حلف وارسو في العام 1956، وكما يقول «جيفري إلين بيجمان» في كتابه «الدبلوماسية المعاصرة»: إن كلا الاتفاقيتين قد خلقتا كيانات مؤسساتية لأجل التوسط والتنسيق بين الدول الأعضاء الفعليين أو بين عملياتهم المشتركة، حيث إن الجانب السياسي للتعاون المشترك يتطلب تمثيلاً دبلوماسياً لدى قيادات التحالف، ويقول بيجمان: «اشتراك حكومات أعضاء الحلف وكذلك قواتهم المسلحة في هذه الدبلوماسية الأمنية الفعلية قد غير من العلاقات بين هذه الدول بشكل كبير بطريقة لم يكن مخطط لها من قبل، ولم يتوقعها أحد عند إقامة التحالف».
لا نذيع سراً، أنه وخلال القرن الحادي والعشرين، ليست هناك دولة مثل الإمارات، على الإطلاق، تمكنت من تحريك قوتها الدبلوماسية الدفاعية لأغراض السلم وتوثيق العلاقات الدولية، وبتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وضمن رؤيته الحكيمة، تنشط الدبلوماسية الدفاعية الإماراتية، بقيادة صاحب السمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، لمحاكاة دول العالم أجمع، وشرح أهمية السلام والأمن ومكافحة قوى التطرف والإرهاب، وتجاوز الخلافات ونشر المحبة والتسامح، فأنتجت دعوة الإمارات الصريحة للسلام، عدداً من الاتفاقيات التاريخية، من بينها اتفاق السلام مع إسرائيل، والذي كان يُظن دائماً، بأنه ضرب من ضروب المستحيل.
وجهة نظري، أن الدبلوماسية الدفاعية الإماراتية هي واجب على كل إماراتي، داخلياً وخارجياً، وعليه أن يكون سفيراً لوطنه الذي اختار السلام والتسامح، سواء أكان طالباً أو إعلامياً أو موظفاً أو تاجراً أو مسؤولاً، وأن يعكس في كل تصرف وسلوك وعلاقة، تلك الرؤية الحكيمة، وأن يرسخ دائماً، في كل علاقة تنشأ بينه وبين شخص آخر، أو فيما يكتبه على وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يقوم به من أعمال، تلك الصورة الناصعة البياض، المتوهجة بالحب والسلام، التي تعبر عن الإمارات وقيادتها وشعبها.