لا يكاد يمر علينا أسبوع في الإمارات دون إعلان من حكومتنا الرشيدة عن مشروع جديد يضاف إلى قائمة المنجزات التي تحققت على أرض الإمارات، فهنا حكومة لا تعرف التقليد بل همها التحدي. فبالرغم من انعكاسات «كورونا» السلبية على اقتصاديات العالم قاطبة، إلا أننا في الإمارات لم نتلمس وجود هذه الكبوة في مجتمعنا. فقد تم الإعلان عن مشاريع أذهلت العالم من تحرك نحو الفضاء إلى استزراع للصحراء، المحرك الأساس من وراء هذه المنجزات يتلخص في كلمة إبداع.
إذا كان الإبداع يقتضي التفكير خارج الصندوق، كما يقال، فإن من أهم مرتكزاته وجود العقول المفكرة بطريقة غير تقليدية. وأهم من ذلك كله وجود قيادة رشيدة تتفنن في إدارة تلك العقول وتأمين سبل نجاحها. ومن هنا نقرأ القرارات الأخيرة التي اتخذها مجلس الوزراء الموقع بمنح الإقامة الذهبية لبعض التخصصات. فالاستقرار مهم جداً لمثل هذه العقول. ومن يتابع مجريات الأمور حول العالم، يجد أن أرقى الدول وأكثرها فوزاً بجوائز نوبل للعلماء، كان مرتكزها الأساس يتلخص في جذب العقول أكثر من استقطاب رؤوس الأموال؛ لأن العقول المفكرة هي التي تؤمن الربح الدائم للمجتمعات على عكس المال، فهو جبان يرتحل من أرض إلى أخرى بحثاً عن أفضل سبل الربح السريع.
الاستثمار في العقول هو الخيار الاستراتيجي الذي لا تتنازل عنه المجتمعات، ويتم تأمين ذلك بطريقتين أساسيتين هما استقطاب العقول المهاجرة وتطوير العقول الوطنية الرائعة. هذه المقولة تلخص لنا الخطة الاستراتيجية للوطن في ما يرتبط بالعقول المفكرة، فقد تم تأمين الإقامة طوية المدى لغير المواطنين، كما تم استحداث أهم منظومة للتعليم العام والعالي، والتي تركز على تطوير العقول حسب متطلبات المستقبل. وبما أن الذكاء الاصطناعي يُعد أهم مرتكزات الخطط الاستراتيجية المستقبلية رأينا من فترة قريبة افتتاح جامعة متخصصة في ذلك، ربما تكون هي الأولى من نوعها، إنها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي والتي «تهدف إلى دعم مسيرة التطوير العلمي، وخلق المعرفة ونقل واستخدام الذكاء الاصطناعي»، حيث ستطرح هذه الجامعة العالمية درجات الماجستير والدكتوراه في هذا التخصص، مما يعزز من فرص الإمارات للريادة في هذا المجال، وهذا مثال واضح للتطور المعرفي الذي تشهده الدولة. لكن كي نفهم الصورة كاملة، فإن هذا المشروع لم يركز على التعليم العالي فقط، بل بدأ في حقيقة الأمر من التعليم العام، وبالذات في المدارس الحكومية التي تنفذ استراتيجية خاصة بها في إطار ما يعرف بالمدرسة الإماراتية التي تركز على علوم المستقبل وغرس نواة ذلك في عقول تلاميذ الإمارات خلال مراحل تنشئتهم المختلفة. ومن جانب آخر تبني إحدى لجان وزارة اللامستحيل استراتيجية وطنية متكاملة لتنسيق الجهود الوطنية في رعاية الإبداع والمبدعين على أرض الوطن، إنها الإمارات التي دخلت حلبة المنافسة العالمية في الابتكار، وتريد أن يكون لها قصب السبق في هذا المجال. 

*أكاديمي إماراتي