بالنسبة لجوليا شرامل التي تسكن في فيينا، كانت مدينتها المحبوبة حتى ليلة الاثنين أشبه بفقاعة من الأمن والسلام، قبل أن يجلب ثالث هجوم إرهابي تشهده أوروبا في ظرف ثلاثة أسابيع إطلاقَ النار إلى وسط المدينة، بينما كانت تتناول العشاء رفقة أصدقاء. 
مطلق النار – الذي قتل أربعة أشخاص قبل أن تطلق عليه الشرطة الرصاص وترديه قتيلاً – كان قد حاول السفر إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابي قبل بضع سنوات. ولكنه أُوقف وحُكم عليه بالسجن في النمسا، قبل أن تخفض مدة سجنه لاحقاً. في شقتها، كانت «شرامل» تفكر في إطلاق سراحه المبكر.
وتقول «شرامل»، وهي طالبة ماجستير في التسيير الدولي: «أعتقد أن الجمهور كان يتمنى لو بقي هذا الشخص رهن الاعتقال»، مضيفة: «إنني أدرك أنه أمر صعب حقاً إذا أقنع شخص السلطات بأنه لم يعد متطرفاً؛ غير أنه من المهم إدراك أن الأمر يتعلق بمتطرفين وليس بالمسلمين بشكل عام». 
فصل الإرهاب هذا عن الدين هو شعور ميّز رد المجتمع النمساوي. فقد صرح المستشار «سباستيان كرتز» في البداية بأن إطلاق النار لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه معركة «بين المسيحيين والمسلمين، أو بين النمساويين والمهاجرين»، قبل أن يتبنى لاحقاً نبرة أكثر إثارة للانقسام. 
وبالمقابل، في فرنسا، لم يقابل الهجوم بوساطة سكين الذي شهدته مدينة نيس الأسبوع الماضي، وقطع الرأس في إحدى ضواحي باريس يوم 16 أكتوبر الماضي، بمثل هذا الخط الرفيع؛ إذ أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجدل عندما أدلى بتصريحات في وقت سابق من الشهر الماضي، وحدد مخططات للتصدي لما سماها «الانفصالية الإسلاموية».
ووفق خبراء، فإن الهجمات الإرهابية في أوروبا باتت تُرتكب بشكل متزايد من قبل أفراد متطرفين، بدلاً من أن تنظم وتدعم من قبل شبكات مثل «داعش». وهذا يعني أن الجاليات المسلمة باتت أكثر عرضة للتمييز في وقت يسارع فيه السياسيون والمجتمع الأوسع إلى التنديد بالهجمات الإرهابية ومرتكبيها.
وتقول «دانييلا بيسويو»، الباحثة في التطرف بجامعة فيينا: «إن محاربة الإرهاب الإسلامي مصطلح كارثي»، مضيفة: «فجأة ينتقل الناس للحديث عن الإسلام، وهذا منحدر زلق جداً. لا أعتقد أن هجوماً إرهابياً يستطيع أن يقسّم المجتمعات، ولكن السياسة تستطيع». 
صعود اليمين المتطرف في المشهد السياسي الأوروبي يضيف عنصراً جديداً، ساماً في كثير من الأحيان، إلى النقاش حول الهجمات الإرهابية. ذلك أن إيديولوجيا اليمين المتطرف تستطيع تأجيج الإسلاموفوبيا، التي يمكن أن تؤدي إلى رد فعل مجتمعي عدائي أوسع ضد مسلمي أوروبا الذين يفوق تعدادهم 26 مليون نسمة. وهذا يمكن أن يغذّي الشعور بالعزلة داخل أعضاء الجالية المسلمة، والذي يستطيع بدوره أن يؤدي إلى تطرف أولئك الأعضاء، وفق ستيف هويت، المحاضر في الأمن والاستخبارات بجامعة برمنجهام البريطانية. 
ويقول هويت: «أتساءل دائماً إن كان الأمر يتعلق بالسياسة». فالرئيس الفرنسي ماكرون يواجه إعادة الانتخاب في 2022 وضغطاً متزايداً من اليمين المتطرف. وتصريحاته حول إصلاح الإسلام من المحتمل أن يكون هدفها مغازلة هذا الجناح اليميني، ما يجعل الأشياء- حسب «هويت»- أسوأ بكثير على المدى الطويل». 
وتقول «فيونا دي لوندراس»، أستاذة الدراسات القانونية العالمية بجامعة برمنجهام، إن السياسيين قد يشعرون بضرورة تصريف «خطورة» هجوم عنيف، ولكن عليهم أيضاً أن «يتأكدوا من عدم وجود أي كلام حارق يفاقم الوضع». 
ويعتقد خبراء أنه ينبغي على فرنسا ودول أوروبية أخرى تفادي تكرار برنامج محاربة التطرف «بريفانت» («وقاية») البريطاني المثير للجدل الذي أدخل في 2003، والذي أدى إلى استهداف المسلمين البريطانيين وعزلهم. ويقول د. أليكس كريستويانوبولوس، المحاضر في السياسة والعلاقات الدولية بجامعة لافبرا: «إن برنامج وقاية يضع مسؤولية على كل أنواع المؤسسات، مثل المدارس، والصحة، إلخ، للتبليغ عمن يشتبه في أنهم متطرفون للسلطات. ولكن المشكلة أن الجاليات المعنية في معظمها مسلمة، وهذا يخلق «بروفايلا» معيناً، مضيفاً: «كما أن بعض الأشخاص يشتبه فيهم بسرعة أكبر من آخرين، ربما فقط لأنهم منتقدون للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط». 
إذا استمرت هجمات الذئاب المنفردة ولم يفهم المجتمع بشكل أحسن كيفية الحديث عنها، فإن رد الفعل العدائي ضد الجاليات المسلمة في المملكة المتحدة وفرنسا يمكن أن يزداد سوءا. 
وفي هذا السياق، تقول «لمياء قدور»، المتخصصة في الدراسات الإسلامية والأستاذة التي أدخلت التربية الإسلامية إلى المدارس العمومية الألمانية: «إن المجتمع بشكل عام لديه قدر من المسؤولية؛ ليس المسؤولية الرئيسية، وليس المسؤولية الأولى أيضاً، ولكن لديه تأثير على العملية»، مضيفة: «إذا كنتُ كشخص أُدفع دائماً إلى الزاوية، وأُدفع باستمرار نحو هامش المجتمع، لأن نمط حياتي ليس ألمانياً بما يكفي أو لا يُعتبر عادياً، فهذا يعزز التطرف».
ـ ـ ـ ــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»