مرت الأمة العربية والإسلامية بعدة هزات وانتكاسات وانكسارات، على مدى عقود وقرون من الزمن، لكنها تمر اليوم بأصعب الحالات والأوضاع التي عرفتها في حياتها، بعد أن تسيدت العالم ذات يوم، حين كانت مثالاً ونموذجاً للتميز والعطاء والتأثير والحضور، وكانت من الأمم التي يضرب بها المثل في الشجاعة والوفاء والكرم والأمانة والإخلاص والنبل، لما تتحلى به من مثل عليا وقيم عالية.
واليوم يُنظر إلى الإنسان العربي بوصفه مشرداً ولاجئاً  ومتسولاً يائساً وإرهابياً قاتلًا. ومع استمرار القلاقل والتمزقات في بعض الدول العربية واحتلالها من قوى إقليمية طالما عملت على شرذمة العالم العربي وتقسيمه وتفتيت دوله وشل قدرتها نهائياً، أصبح البعض ينظر إلى هذه الشعوب المغلوبة على أمرها بوصفها شعوباً غير مبالية بأوطانها وغير مكترثة بالأرض والعرض. والواقع أن الولاءات اهتزت بقوة والمشاعر الوطنية والقومية ماتت وذبُلدت، كما تبلدت مشاعر الناس وأصبحت شتيمة الوطن والتشفي فيه مستساغة وعادية جداً ولا تكاد تحرك لأحد ساكناً ولا تثير حفيظته، بل يراها رأي العين وكأنه غير معني بالدفاع عن وطنه أو منع إهانته.
وهكذا، أصبح المواطن العربي غير مبالٍ ولا مهتم بقضايا أمته ولا بشؤون وطنه، حيث أنشأ في نفسه فراغاً من البرود العاطفي حيال الوطن، وتخلى عن كثير من قيمه وأخلاقه وشهامته. بل أصبح كثير من العرب غير مدركين لما يدور حولهم من أحداث وقضايا وإرهاصات، يمارسون سلوكات غرائبية تعكس ازدواجية الشخصية واضطرابها، ويعيشون أنماطاً مراوغة ومخادعة أو صدامية واستئصالية؛ لا يحسنون الحوار ولا يفقهون لغة النقاش والتفاوض، يتحدثون عن الماضي ويجترونه ولا ينظرون إلى مستقبلهم، يرضون الخنوع بشكل اتكالي غريب وعجيب، حتى اختفى الحس الإنساني لدى بعضهم، وتلاشت آدميته.
لقد انقسم المجتمع العربي على نفسه عدة أقسام: ليبرالي علماني متمسك بأفكاره الجديدة ورافض للآخر المختلف معه متهماً إياه بالتخلف والجمود والانغلاق والتطرف.. ومتشدد يكفِّر الآخر ويريد أن يفرض عليه رأيه بالقوة، وعروبي قومي يرفض الاثنين معاً!
وفي هذا الخضم أصبح المجتمع العربي مصدر قلق، لعدم قدرته في الوقت الحالي على التأقلم والانسجام وحتى المصالحة مع نفسه. يريد أن يعيش في زمن القرن الحادي والعشرين، لكنه ذهنياً لا يزال يعيش في نظام القرون السابقة على الحداثة. شعوب تريد أن تكون شرقية في الشتاء وغربية في الصيف. شعوب لا تجد حلولاً ولا أجوبة مقنعة، تجتر الماضي ولا تجيد التأقلم مع الحاضر ولا تفكر في المستقبل.. تعيش العاطفة اللحظية، وتقصي منهج التفكير العلمي وتعتمد على التقليد الأعمى.. شعوب تائهة لا تريد أن تجد لها بوصلة أو خريطة طريق ترشدها إلى السبيل القويم. 
لقد فشلت مشاريع كثيرة طوال العقود الماضية، وأُهدرت طاقات هائلة، وأخيراً تعثرت الخيول وتبعثرت، وفقدت فرسانها في كثير من هذه المجتمعات التي تعيش في الماضي في الحاضر أكثر مما تشارك وتساهم في صناعة المستقبل.


*كاتب سعودي