الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يعترف بالنتيجة المبدئية، ويصر على المضي قدماً في إجراءات التقاضي في الولايات المعنية، والذهاب – إذا ما استدعى الأمر - إلى المحكمة العليا للفصل في نتيجة الانتخابات، و«جو بايدن» وفريقه لا يريدون أن يعترفوا أن نتيجة الانتخابات الرئاسية لم تأخذ حتى الآن صفة الرسمية، ولا يريدون لدول العالم حتى أن تنتظر نتيجة الانتخابات عبر القنوات الرسمية الأميركية، وإنما اشتغلوا خلال الأيام القليلة الماضية على إدخال المجتمع الدولي في أجواء نصر لم تقرره الشرعية الأميركية بعد. أميركا لا تعترف بأميركا، هذا باختصار ما أردت قوله في هذه المقدمة.
ربما يخرج دونالد ترامب غداً أو بعد غد ويعترف بالهزيمة، ربما يظل متمسكاً بقشة الأمل حتى موعد إعلان المحكمة الدستورية العليا قرارها في نتيجة الانتخابات، وربما يخفف «الديموقراطيون» بعض الشيء من حماسهم خلال الأيام القليلة المقبلة، وينتظرون بشكل رسمي تسمية مرشحهم رئيساً منتخباً، كل شيء جائز في هذه الانتخابات الدراماتيكية، لكن الأمر الذي أظن أنه سيبقى في وجدان الأميركيين فترة طويلة هو أن ديموقراطيتهم التي لطالما تباهوا بها وفاخروا بها، لم تعد بتلك القوة التي تضمن لها أن تعيش بنفس البريق والاستثنائية خلال المائة عام المقبلة.
انتهت الانتخابات الأميركية لكن متعلقاتها وأصداءها لم تنته حتى الآن، وسأسرد في هذه المقالة بعضاً من انطباعاتي عمّا جرى خلال الأيام القليلة الماضية.
أولاً: يظن البعض أن ترامب استطاع – برغم الدعاية المضادة – أن يفوز بقلوب وأصوات نصف المنتخبين تقريباً، الأمر الذي يجعل منه زعيماً وطنياً مقبولاً عند قسم كبير من الأميركيين، وأقول إن ذلك قد يكون صحيحاً، لكني أفسر الأمر بأن من صوّت لترامب هو في الحقيقة يصوّت للحزب «الجمهوري»، كون الانتماء الحزبي لـ«الجمهوريين» أو «الديموقراطيين» هو ما يسيّر العملية الانتخابية بصرف النظر عن الشخوص الممثلة للحزب.
ثانياً: كان الانقسام في المجتمع الأميركي في المائتين عاماً الماضية مقتصراً على عرق أوروبي أبيض في مقابل هويات وأقليات مختلفة، اليوم صارت أميركا منقسمة حول الهويات الأصلية لساكنيها، كانوا أميركيين جميعاً، واليوم أصبحت قوتهم في أن يكونوا منتمين أكثر لأصولهم، الانتخابات التي تجمع، أصبحت تفرّق.

ثالثاً: برغم أن التنافس السياسي القائم على الثنائية الحزبية هي ما جعل الديمقراطية الأميركية تشتغل بسلام طوال قرنين من الزمان، فإن هناك بوادر عدة تشير إلى أن النظام السياسي الأميركي لن يعود كما كان، وربما نتحدث عن هذا الأمر في مقالة مقبلة.
رابعاً: برغم أن الانقسام «الديموقراطي- الديمقراطي» أو «الجمهوري- الجمهوري»، كان حاضراً في مناسبات عدة عبر التاريخ الأميركي، إلا أن انقسام «الجمهوريين» هذه المرة في ما بينهم قد يكون الأكبر والأكثر تأثيراً، وأظن أنه لن يتوقف بمجرد خروج ترامب من البيت الأبيض، وإنما سيمتد خلال العقود المقبلة، وأظن أن انقلاب «قناة فوكس» على ترامب في الأيام القليلة الماضية، لم يكن لأنها تحولت فجأة إلى قناة «ديمقراطية»، وإنما لأن هناك لاعبين كبار من «الجمهوريين» ليسوا على نفس النغمة التي تشتغل عليها السياسة «الجمهورية» في الوقت الراهن.

*كاتب سعودي