منذ الإعلان عن فوز المرشح «الديمقراطي» جو بايدن بسباق الانتخابات الرئاسية، وهناك العديد من التساؤلات التى تثار من جانب الخبراء والمحللين حول احتمالات التغير في السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط والخليج بصفة خاصة، فهل سيتبنى مساراً مغايراً لذلك الذي انتهجه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب على مدار الأربعة أعوام الماضية؟ أم يعيد تكرار سياسات الرئيس السابق باراك أوباما؟ وما تأثير ذلك على القضايا الشائكة في المنطقة، خاصة الموقف من إيران والاتفاق النووي وحركات الإسلام السياسي؟ وتأثير ذلك على العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي؟
رغم أن العديد من التحليلات تتوقع حدوث تحول في السياسة الأميركية تجاه قضايا المنطقة في ظل الرئيس المنتخب جو بايدن، فإنها تتجاهل حقيقة راسخة، وهي أن السياسة الأميركية تنطلق من ثوابت راسخة، لا تتغير سواء كان ساكن البيت الأبيض «ديموقراطياً» أم «جمهورياً»، وأهم هذه الثوابت هي الحفاظ على أمن إسرائيل والتصدي لخطر التنظيمات المتطرفة والإرهابية، والعمل على جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وخاصة الأسلحة النووية، وضمان أمن الطاقة باعتباره يخدم الاقتصاد العالمي. لكن أدوات تنفيذ هذه الثوابت قد تختلف من إدارة لأخرى، والتي تتراوح في مجملها ما بين الحوار والدبلوماسية أو القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية. 
ومن هذا المنطلق يمكن القول: إن السياسة الأميركية المحتملة تجاه منطقة الخليج والشرق الأوسط بوجه عام في ظل جو بايدن ستمضى في مسارها، الذي يضمن الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وإنْ اختلفت آليات ذلك، خاصة ما يتعلق بمسار عملية سلام الشرق الأوسط والالتزام بحل الدولتين، وكذلك المضي قدماً في مواجهة التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تستهدف المصالح الأميركية في المنطقة، وحتى القضايا التي يتوقع كثيرون أن تشهد تغيراً كالموقف من إيران والاتفاق النووي معها وجماعات الإسلام السياسي، فلا يمكن لإدارة بايدن أن تتعامل مع هذه القضايا بنفس منظور إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لأن السنوات الماضية كشفت عن العديد من الحقائق والمعطيات التي لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال، فإيران لم تلتزم فقط بالعديد من بنود الاتفاق النووي واستأنفت العديد من أنشطتها النووية، وإنما أيضاً تعاملت مع هذا الاتفاق باعتباره«شيكاً على بياض»، وتمادت في سياساتها المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة، وهذه السياسات شكلت تهديداً جوهرياً للمصالح الأميركية في المنطقة، لهذا سيكون من الصعب على إدارة بايدن أن تتعامل مع إيران باعتبارها «قوة إيجابية» يمكن الاعتماد عليها في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، كما كانت تفعل إدارة أوباما، والمتوقع في ضوء المعطيات الجديدة أن تتعامل إدارة بايدن بحذر مع إيران.
وفي ما يتعلق بالموقف من جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين»، وخلافاً للكثير من المحللين الذين يتوقعون أن تتعامل إدارة بايدن مع هذه القضية بنفس رؤية إدارة أوباما، والتي كان تنظر إلى هذه الجماعة باعتبارها «معتدلة». ويمكن الاعتماد عليها في مواجهة التنظيمات المتطرفة والإرهابية، فإن حقائق ومعطيات جديدة ظهرت خلال الأعوام الماضية في ما يتعلق بسلوك جماعة «الإخوان»، وحركات الإسلام السياسي التي تدور في فلكها، فقد تأكد بشكل واضح مدى خطورة أيديولوجيا هذه الجماعة، ليس فقط باعتبارها أساس الفكر المتطرف الذي تتبناه التنظيمات الإرهابية كـ«داعش» و«القاعدة»، وإنما أيضاً في تجاوزها لفكرة السيادة الوطنية، وهذه الحقائق بدأت الأوساط السياسية وخاصة داخل الكونجرس الأميركي تتنبه لها خلال العامين الماضيين، وهذا ما خلصت إليه مناقشات اللجنة الفرعية للأمن القومي، التابعة للكونجرس في عام 2018، والتي أشارت إلى أن جماعة «الإخوان» تمثل خطراً على المصالح الأميركية، وينبغي التصدي الحاسم لها، وهي حقائق ستمثل قيداً أمام إدارة بايدن إذا أرادت الانقتاح على هذه الجماعة مجدداً. 
وفي ما يتعلق بموقف بايدن من العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وخلافاً للتحليلات الكثيرة التي انتشرت خلال الأيام الماضية، وتتوقع حدوث تحول في سياسة الولايات المتحدة، فإن خبرة السنوات الماضية تشير إلى أن الولايات المتحدة ترتبط بعلاقات قوية وراسخة مع هذه الدول، ولا يمكن أن تتأثر في حال تغير الرئيس، ولعلي أتذكر هنا أنه حينما فاز دونالد ترامب بالسباق الانتخابي قبل أربع سنوات، كانت هناك توقعات أنه سيتبنى سياسة متشددة تجاه دول المجلس، وتبين في ما بعد أنه كان مدركاً لأهمية هذه الدول، ولطبيعة دورها، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي، والأمر نفسه يتكرر الآن مع الرئيس المنتخب جو بايدن، حيث تشير العديد من التحليلات إلى أنه قد يعيد صياغة سياسة الولايات المتحدة نحو مزيد من التقارب مع طهران وتخفيف العقوبات المفروضة عليها، وذلك على حساب مصالحها مع دول المجلس، وهي تحليلات مغلوطة، ليس فقط لأن للولايات المتحدة مصالح راسخة مع هذه الدول، تسعى إلى الحفاظ عليها، وإنما أيضاً لأن الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، تمثل أهم مرتكزات تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

*إعلامي وكاتب إماراتي