لم تعد صناعة سلاح يدوي خفيف اليوم حصراً على المصنعّين الكبار المختصين في ظل ظهور تقنيات حديثة تجعل صناعة الأسلحة الخفيفة والطائرات المسيرة عن بعد ممكنةً من المنزل، وإنْ كان خطر الأسلحة النارية المصنعّة ذاتياً ليس جديداً، ولكن هناك حاجز ينهار سيمكن العديد من الناس من تملّك المهارات اللازمة لصنع الأسلحة، وذلك بفضل التطورات الأخيرة في مجال التصنيع المضاف، والمعروفة أيضا بإسم «الطباعة ثلاثية الأبعاد» وتقنيات أخرى في المنزل مثل طاحونة Ghost Gunner التي يتم التحكم فيها بالكمبيوتر، حيث يمكن للناس صنع أسلحة أكثر تعقيداً، بما في ذلك المسدسات المعدنية ومكونات البنادق شبه الآلية، مما يعني زيادة الحاجة لقوانين جديدة تختص بتحقيق آفاق الأمن الوطني القريبة، والحاجة الماسة لأن يكون المخططين الاستراتيجيين في هذا المجال متقدمين بخطوات في منهجية تفكيرهم ورؤيتهم للواقع غير المرئي بالعين المجردة لعامة الناس، واستشرافهم وتنبئهم بالمستقبل في عالم الجريمة والعنف والإرهاب، وإعداد وتسليح جيش معادي في الداخل دون تدريب نظامي مسبق، والحاجة لإدخال الأسلحة للدولة المستهدفة، ناهيك عما يفرضه عالم صراع الفضاء وأعماق المحيطات من تحديات تمثل مفترق طرق للأمن الوطني المستقبلي.
فعلى سبيل المثال، يتزايد الاعتراف الآن بتغيّر المناخ من قبل مؤسسات الأمن الوطني باعتباره التهديد الأمني الأبرز، وذلك تحديداً بسبب قدرته على العمل كـ «مكبرات للصوت»، ويزيد من خطر الاضطرابات الاجتماعية، والصراع وانعدام الأمن الغذائي والأزمات الاقتصادية، وبالطبع تفشي الجائحات هو التهديد الذي لا يقل خطراً عن التغّير المناخي، ويرتبط الخطران ارتباطاً وثيقاً، حيث يزيد الأول بشكل كبير من خطر الثاني في المستقبل، وارتباطهما بالاقتصاد والابتكار والاستقرار الاجتماعي والتنمية والموارد، أي أنهما سيقزّمان كل التحديدات المستقبلية، ويجعلان الأمن البيئي العالمي أولوية دولية للجميع وليس مجرد خيار مطروح، وبالتالي فإن الانشغال بالقضايا الجانبية سيهدد الوجود البشري على كوكب الأرض، بما أننا سنواجه أزمات لا تخضع للمنهجية في المقام الأول والأساليب التقليدية.
ومع تصاعد جائحة الفيروس التاجي كورونا، تظل مهمة إعادة النظر في الأسس السياسية والاقتصادية لنهج أكثر اتساقاً تجاه الأمن الوطني مسألةً ملحةً على نحو متزايد، ولا يمكن لأي بلد أن يحقق ضروراته الأمنية الوطنية دون اعتماد عقلية عالمية، وذلك بما أن السيادة الوطنية تتطلب شكلاً جديداً من التأهب على نطاق دولي، وتعزيز المؤسسات التي تدعم التعاون الاستراتيجي بين القطاعات على مستوى العالم، وتبني الابتكار المحلي كأساس قوي للأمن الداخلي وللمنافسة الاقتصادية وتوسيع مجموعة أدوات فن الحوكمة الاقتصادية الوطنية، التي تصمم لتكون عابرة للقارات.
فالأمن سيصبح رهينة للعلوم المتقدمة والبيانات فائقة السرعة والحجم وللذكاء الاصطناعي والخوارزميات العملاقة، والبرمجيات التي تسمح للدماغ البشري وجهاز خارجي بالتحدث مع بعضهما البعض لتبادل الإشارات، وإعطاء البشر القدرة على التحكم مباشرة في الآلات دون القيود المادية للجسم، وتسخير قوى الطبيعة وقدرات ما وراء علم النفس كأسلحة فتاكة، ومن المرجح أن تعطى الروبوتات سلطة أكبر لصنع القرار وتحديد متى نستخدم القوة والاستخدام الآلي العنيف للقوة، كما تصبح الطائرات من دون طيار المخْفيّة منها، والتي في غاية الصغر، ولديها القدرة على الطيران لعشر ساعات ومئات الكيلومترات وبكلفة زهيدة مقارنةً بتسليح الجيوش التقليدية، وقدرة تدمير أكبر وشل حركة الدول، ضمن حيز المجال الحيوي الأمني المستقبلي.