احتلت حماية البيئة موقعاً متقدّماً في قائمة اهتمامات دولة الإمارات العربية المتحدة منذ إنشائها، انطلاقاً من إرث إنساني عظيم للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، الذي أتاحت له حكمته وبصيرته أن يدرك في وقت مبكر أهميةَ حماية البيئة والحفاظ عليها، برغم التحديات السياسية والصعوبات الاقتصادية التي كانت قائمة في خمسينيات القرن الماضي وستينياته. وقد أوضح الوالد المؤسّس المسؤوليةَ الإنسانية إزاء البيئة بقوله: «نحن الذين نعيش الآن فوق هذه الأرض مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا والحياة البرية، واجبٌ علينا الوفاء لأسلافنا وأحفادنا على حد سواء».
ويأتي اعتماد سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة رئيس مجلس إدارة «هيئة البيئة - أبوظبي»، الخطةَ الاستراتيجية المؤسسية للهيئة للأعوام 2021 - 2025، يوم الاثنين الماضي، في سياق الجهود المبذولة لحماية البيئة في الدولة وفي إمارة أبوظبي خصوصاً، ولضمان جودة الهواء والمياه، وحماية التنوع البيولوجي في النظم البيئية والبحرية للإمارة، من خلال رؤية شاملة واضحة الأهداف والخطط وآليات التنفيذ، لمواصلة الرسالة التي تضطلع بها الهيئة منذ إنشائها عام 1996، بكفاءةٍ واقتدارٍ وضعاها في صدارة الجهات القادرة على تحقيق إنجازات بيئية مشهودٍ لها.
وإطلاق الخطة الاستراتيجية للسنوات الخمس المقبلة هو استمرار لنهج التزمته «الهيئة» في العمل من خلال إطار استراتيجي شامل، حيث أطلقت الخطة الاستراتيجية الأولى عام 2008 لتغطّي السنوات من 2009 إلى 2013. وكانت الاستراتيجية التي غطّت السنوات 2016 - 2020، ونُفذت بدقة ونجاح لافتين للنظر، تطوراً ملحوظاً في طريق التخطيط القائم على دراسات علمية دقيقة، ومسوح شاملة لكل القطاعات التي يشملها اهتمام «الهيئة». وتضمّنت استراتيجية 2016 - 2020 أرقاماً دقيقة في مجالات مثل: تلوث الهواء، والغازات الدفيئة، والنفايات وطرق التخلص منها، وقد شمل التقصي الدقيق كلَّ الموضوعات التي تضمّنتها الخطة، وذلك بالتعاون مع دائرة التنمية الاقتصادية- أبوظبي، ومعهد الإحصاء، لتُقدِّم الخطة أساساً علميّاً متيناً يمكن الانطلاق منه والبناء عليه، ويمكن من خلاله قياس التطور نحو تحقيق الأهداف التي وضعتها الاستراتيجية بما يلزم من دقة وحياد.
وتتيح التقارير الدورية التي تُصدرها «هيئة البيئة- أبوظبي»، تحت عنوان «تقرير حالة البيئة في أبوظبي» وتقارير أخرى تتناول موضوعات محددة، هذا القياس، حيث تُقدِّم التقارير بيانات ومعلومات مفصلةً حول القطاعات التي يغطيها عمل «الهيئة». وقد أفرد التقرير الصادر في نوفمبر 2017، على سبيل المثال، تسعة فصول لتسعة موضوعات، وهي: جودة الهواء، والتربة، والموارد المائية، وجودة المياه البحرية، والتنوع البيولوجي، والتغير المناخي، والمصايد السمكية، والغابات، والنفايات. ويجعل التعاون مع كثيرٍ من الجهات المختصة داخل الدولة وخارجها، والشمول والدقة البالغان، هذه التقارير وثائق بالغة الأهمية تتضمن كمّاً ضخماً من البيانات والمعلومات، الأمر الذي يجعل منها منطلقاً قويّاً للتخطيط المستقبلي وعملية اتخاذ القرار في مجال البيئة، وأساسًا للدراسات العلمية والبحوث التي تدعم رسالة الهيئة ونشاطها.
ويشير ما نُشر عن الاستراتيجية الجديدة (2021 - 2025) إلى أنها تلتقي مع الاستراتيجية الحالية (2016 - 2020) في بعض أولوياتها، غير أن الاستراتيجية الجديدة أفردت مساحات أكبر من الاهتمام لعدد من الموضوعات، منها خفض معدلات التلوث الضوضائي، وتشجيع مبادئ الاقتصاد الدائري وتطوير البحوث، وقيادة تحليل السياسات والتشريعات البيئية المتكاملة واعتماد امتثال بيئي قائم على الأدلة وتطبيق نماذج عمل نافذة لتنظيم عملية الترخيص، وتحقيق الالتزام، والاستفادة من النظم المتطورة لتحليل البيانات لقيادة أنشطة البحث والتطوير، وتعزيز مشاركة الأطراف المعنية، وتحسين التوعية البيئية. ومن المؤكد أن تحديد الأولويات الجديدة قد استند إلى جهود التحليل المتواصلة للأوضاع البيئية القائمة، وما يحتاج منها إلى مزيد من التركيز عليه خلال الفترة المقبلة. وتقدِّم «هيئة البيئة- أبوظبي» من خلال هذا النهج، في عملها من أجل حماية البيئة، نموذجًا للتخطيط المستقبلي الدقيق، وإقامة الشراكات المثمرة محليّاً وإقليميّاً وعالميّاً، ودعم التنمية وجودة الحياة من خلال الرقيّ بأحد أكثر المجالات تأثيراً في حياة الإنسان.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية