الأربعاء 4 نوفمبر لم يكن كعادته. حبس العالم أنفاسه بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية، على الرغم من أن الانتخابات تجري في جل دول العالم الديمقراطي، لكنها لا تنال هذا الزخم من التوتر النفسي، والتعلق العاطفي والحشد الإعلامي. لِمَ لا، إنها الولايات المتحدة الأميركية. هذا البلد العظيم الذي قدم للعالم الكثير، فعبر أكثر من 150 عاماً قدمت أميركا للعالم أفضل تجارب البشر في مجالات كثيرة، هي ثالث دول العالم حجماً من حيث المساحة، ومن حيث عدد السكان الذين تجاوزوا 300 مليون نسمة، تتكون من مزيج عرقي بشري غريب. فبالرغم من أن الهنود الحمر هم سكان المنطقة الأصليون، بيد أن أميركا المعاصرة يعيش فيها مواطنون من أصول مهاجرة، يمثلون بقع العالم المختلفة. اقتصادها الأقوى عالمياً، فكل تغيير يطرأ على الدولار تكون له انعكاسات خطيرة على كثير من عملات العالم واقتصادياتها، بل إن مجرد تصريح يتناول الاقتصاد يصدر عن صناع القرار في أميركا، تكون له تبعات كبيرة في العالم.
جيشها لا يختلف اثنان على قوته وسرعة انتشاره وتمركزه. فلو قررت أميركا سحب قواتها من بعض دول آسيا، لرأينا حروباً قريبة من الحرب العالمية الثانية تكون طاحنة بين دول متجاورة. التقدم العلمي في أمر لا يخفى على أحد، فجل جوائز نوبل يحصدها علماء من أميركا. وحسب إحصاءات الجائزة، فازت الولايات المتحدة بها 378 مرة، لذلك تتصدر الدول. أما الدولة الثانية، فهي المملكة المتحدة بعدد 132 جائزة، وتأملوا الفرق بين المرتبة الأولى والثانية، على الرغم من أن شعار أميركا الرسمي «بالله نثق»، إلا إنها نجحت في الفصل بين الكنيسة والبيت الأبيض، عبر مؤسسات مستقلة، الغريب في هذا البلد أنه ليست له لغة رسمية على المستوى الفيدرالي، رغم أن الإنجليزية هي السائدة فيه.
وكما أن أميركا بعد سبتمبر 2001 غيرت جلدتها تجاه قضايا كثيرة في العالم، يبدو أنها متجهة لصناعة تجربة جديدة محلية، لكن انعكاسات ستكون عالمية في 2021. إنها تجربة قد تبعدها عن جذور نشأتها، فهي دولة - من حيث الديمغرافيا- لديها مزيج مختلف من الناس، بيد أن التيار اليميني الذي كان يعمل في الخفاء، بدأت علامات عودته للحياة العامة بأجندة عنصرية لم تعرفها الولايات المتحدة الأميركية منذ عقود، بل إن أميركا كانت تسعى كي تذوِّب كل الثقافات والأعراق في بوتقة الحضارة الأميركية. هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك تراجع واضح للولايات المتحدة الأميركية، خاصة ما كانت تلعبه من دور عالمي. فحتى أوروبا، التي تُعد أميركا امتداداً تاريخياً لها، دقت ناقوس الخطر بسبب الأزمات المتتالية في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بينها وبين واشنطن، في ما يبدو أنه انعكاس خطر للتوجهات الاقتصادية الأميركية.
الأخطر من ذلك يتلخص في فقدان بعض السلطات استقلالها القانوني المتعارف عليه، بسبب سيطرة بعض التوجهات على صناعة القرار في تلك المؤسسات، إنه تراجع في العمل المؤسسي نحو تمركز السلطة في يد رجل البيت الأبيض. فهل تُغير هذه الانتخابات بوصلة أميركا من جديد؟