لنتفق قبل كل شيء على أن المساس بمقدسات أية ديانة هو عمل لا أخلاقي ويستحق التجريم، ولا علاقة له مطلقاً بحريات التعبير وأحقية النقد، سواءً أكان ذلك المساس بالتشكيك أو بالإساءة والتقليل من تلك المقدسات أو عبر رسومات تطعن في قداسة الدين ورسالته ونبيه، وبعد أن نتفق، يجب أن نحترم ديننا قبل أن نطالب الآخرين باحترامه، أي أن تكون ردات فعلنا لأي إساءة ردات فعل لائقة بمكانة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، انطلاقاً من الآية الكريمة «وإنك لعلى خلق عظيم»، واستدعاءً للمسؤولية الدينية التي تحتم علينا الاقتداء بأخلاقه عليه أفضل الصلاة والسلام.
الإسلام هو الرسالة الأعظم التي يتبعها أكثر من مليار مسلم حول العالم، والديانة التي تعتنقها أكبر الجاليات المهاجرة إلى أوروبا، وبالأخص فرنسا، وإن كانت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هي انتصار لحرية النقد والتعبير، بما يمليه الدستور الفرنسي، فلن نجد إذن أي مبرر لتراجعه إزاء حملات الغضب في صفوف أحزاب اليمين الفرنسية، التي تقف في وجه أي اعتراف فرنسي بالجرائم المنسوبة للجيش الفرنسي بحق الجزائريين إبان حرب التحرير، وخنق أي رأي مناهض لها حين شبّه تلك الحرب بالمحرقة النازية، بل إن هذا التراجع السريع مؤشر قوي يدفع الرأي العالمي، بمسلميه وكل دياناته، نحو موقف أكثر اعتدالاً أمام مطلب منصف، ألا وهو وقف الاستفزازات والإساءات المتكررة بحق نبينا عليه الصلاة والسلام تحت ذريعة حرية التعبير والنقد، وفتح الباب لكل ساخط على الإسلام بأن يسخِّر ريشته بأتفه الرسومات لتشويه مقدساتنا ومقدسات غيرنا، وبناءً على ذلك فالوقفة التي أعنيها هنا هي تفعيل الأحكام المنبثقة من محاكمات جرّمت المساس بالمقدسات وترجمتِها إلى قوانين دولية لوقف تلك الممارسات، ونشر روح التسامح التي لن تتم إلا باحترام ديانة الآخر ومقدساته، وعدم المساس بالأنبياء والرموز الدينية على أي نحو كان.
وقد وجد التيار الإخواني المتأسلم بضاعته في التصريحات الرسمية الفرنسية، فلجأ رموزه حول العالم وفي المهجر تحديداً إلى الحشد والتهييج وتأجيج مشاعر المسلمين بردات فعل حانقة متأزمة، مقابل الإساءات المذكورة، متجاهلين أن تأجيج الشعوب لن يغير قيد أنملة من نواميس العالم وتشريعاته خصوصاً في الغرب، فإذا كان للمسلمين حق الاحتجاج ونصرة نبيهم (عليه الصلاة والسلام)، فإن بعضهم أضاعوا ذلك الحق عبر تأييدهم حادثةَ القتل الإرهابية البشعة في السادس عشر من هذا الشهر، والتي تمت على نحو مريع ضد المدرس الفرنسي صامويل باتي، حيث تم فصل رأسه عن جسده من قبل مهاجر شيشاني مسلم، وهي عملية حالت دون كثير من التعاطف والتأييد العالمي لأحقية المسلمين في الاعتراض على استفزازهم بإهانة رموزهم الدينية.
وذكر الرئيس الفرنسي خلال تصريحاته بأن الإسلام السياسي هو مصدر الشر الذي يهدف إلى هدم ركائز الجمهورية، وأن معركتهم معه أمنية وتربوية وثقافية.. إلخ، لكن هل يعلم ماكرون أن معركتنا مع الإسلام السياسي ورموزه الذين ابتلينا بهم كانت طويلة ومريعة وتحتاج مجلدات لشرحها وتفصيل فصولها الدموية في منطقتنا؟ وأن هذا الجماعات (الإسلام السياسي) لولا دعم الغرب وإيوائه لها لما قامت لهم قائمة ولما تمددت وانتشرت وتغولت تحت شعارات الديمقراطية والحقوق وتحت غطاء دولي غربي؟!
نؤكد للسيد ماكرون أن جماعات الإسلام السياسي هي فعلاً الشر الذي تم تجريمه في منطقتنا، وأن كل تنظيمات العنف والإرهاب والقتل تولد من رحم «الإخوان» وتنشأ وتتعملق تحت شعارات مثل الحرية والديمقراطية، التي يجدون في ظلها حماية الغرب (أميركا وأوروبا)، وأننا في الخليج ننتظر اليوم الذي يتم فيه تجريم هذه الجماعات وتصنيفها (خاصة «الإخوان») كجماعات إرهابية، لننعم بالسلام ولنطوي صفحة العنف!

*كاتبة سعودية