تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة والدول الإسلامية، اليوم الخميس، بالمولد النبوي الشريف، هذا اليوم العظيم الذي ولد فيه خير البشر وخاتم الأنبياء، والذي أرسله ربه رحمة للعالمين، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، بإذن الله، فأدى الرسالة وبلّغ الأمانة على أكمل وجه، وعانى في سبيل ذلك الكثير من المشاق والتحديات ليضرب أروع الأمثلة على ضرورة الكفاح والمثابرة لتحقيق ما نصبو إليه من أهداف، مع التحلي دائماً بقيم التسامح والمحبة والعفو عند المقدرة. 
ويجسد هذا الاحتفاء الكبير بذكرى المولد النبوي الشريف في دولة الإمارات العربية المتحدة مدى تمسّك الدولة بجذورها وهويتها كدولة عربية إسلامية، تقدم نموذجاً جديراً بكل الاحترام والتقدير، كونها تحتضن مجتمعاً متعدد العرقيات والأديان والمذاهب والثقافات، يعيش فيه الجميع بانسجام واحترام متبادل، بغض النظر عن الاختلافات الطبيعية المبنية على هذه الأسس. 
ومما لا شك فيه أن الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة على قلب كل مسلم، بل وقلب كل إنسان منصف وعاقل، لا بد أن يكون مناسبةً لاستذكار سيرته العطرة، صلى الله عليه وسلم، وما تنطوي عليه من قيم إنسانية سامية، نحن في أشد الحاجة إلى التمسك بها لمواجهة دعاوى التطرف والتعصب التي يعمل البعض من أتباع الأديان أو المذاهب الفكرية أو غيرهما على ترويجها، والتي تعمل في اتجاه مضاد لما يجب أن نسعى إليه من الضرورة الحاسمة لترسيخ قيم التسامح والتعايش المشترك على الصعيد العالمي، خاصة في هذه المرحلة التي تتطلب تكثيف التعاون والشراكات الدولية لمواجهة الكثير من التحديات التي تواجه دول العالم كافة، والتي لا يمكن مواجهتها بشكل فردي، وإنما في إطار جماعي يوحّد الجهود لتحقيق ما نصبو إليه من أهداف مشتركة. 
ومن المؤسف أن البعض من حين إلى آخر، وتحت مزاعم حرية الرأي والتعبير، يحاول الإساءة إلى مقام حضرة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وخير ردٍّ من قبلنا، نحن المسلمين، على هذه المحاولات البائسة يجب أن يكون المزيد من التمسك بسنة النبي، صلى الله عليه وسلم، والسير على نهجه القويم، لنقدم لدول العالم كافة، باختلافاتها العرقية والدينية والمذهبية وغيرها، نموذجاً لما يجب أن يكون عليه السلوك الإنساني انطلاقاً من الهدي النبوي الشريف. 
وفي الوقت الذي يجب أن يرفض فيه العالم الإسلامي مثل هذه المحاولات المغرضة، فإنه يجب ألا ننجرف خلف دعوات ضالة كرد فعل على تلك المحاولات، أو انسجاماً مع مساعي بعضهم لتسييس هذه القضية، بغية الحصول على مكاسب معينة، فَرَدُّ فعلنا يجب أن يكون مبنياً على قيم الدين الإسلامي الحنيف، الذي يشتق اسمه من السلام وتحيته هي السلام، وما يدعونا إليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. 
لكن هذه المحاولات يجب أن تواجه بكل حسم لما يمكن أن تؤدي إليه من نشر لثقافة الكراهية والعداء بين أتباع الديانات المختلفة وما يمكن أن تتمخض عنه من خلق توتر بين الأمم والدول والشعوب، وربما يكون الوقت قد حان للعمل بقوة من قبل العالم الإسلامي، سواء أكان ذلك على مستوى الدول أم على مستوى المؤسسات للدفع في سبيل المطالبة بسنّ تشريعات دولية تجرّم التحريض على الكراهية والتمييز ومعاداة الإسلام، أو ما بات يعرب بـ«الإسلاموفوبيا». ويجب أن تكون رسالتنا للعالم في هذا الصدد واضحة، أنه شتان ما بين حرية الرأي والتعبير التي يجب أن تظل مقدسة في جميع الأحيان، وما بين محاولة الإساءة إلى الأديان والأنبياء، التي قد تقود إلى ما لا تُحمد عقباه! 
وقد تنبّهت دولة الإمارات العربية المتحدة جيداً لخطورة الإساءة إلى الأديان وما يمكن أن تفرزه من نشر لثقافة الكراهية، وعملت على مواجهتها بشكل حاسم. ففي يوليو 2015، أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، مرسوماً بقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية. ويقضي هذا القانون بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة أشكال التمييز كافة، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير. وهذا هو النهج الذي يجب أن نسير عليه من أجل التأسيس لعالم أفضل، مبني على قيم التسامح والانفتاح والتعايش المشترك.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.