يقول وزير الطاقة الروسي «الكسندر نوفاك»: «إن بلاده تسعى للاستحواذ على ربع السوق العالمية للغاز الطبيعي في المستقبل القريب»، وهي نسبة كبيرة دون شك في ظل وجود منتجين كبار، كقطر وإيران والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن تصريح الوزير الروسي يملك مصداقية كبيرة، وهو أمر قابل للتنفيذ لاعتبارات موضوعية عديدة، يأتي في مقدمتها امتلاك روسيا أكبر وأفضل بنية تحتية للغاز الطبيعي في العالم، فخطوط أنابيب الإمدادات تنتشر شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً لتزود أكبر مستهلكي الغاز في أوروبا والصين وآسيا باحتياجاتهم المتنامية من الغاز، وهي ميزة لا تتوافر لدى المنتجين الآخرين الذين يعتمدون على الناقلات المكلفة، حيث تسعى روسيا حالياً إلى بناء المزيد من خطوط الأنابيب، مستغلة بصورة عملية موقعها الجغرافي وحسن الجوار مع البلدان الأخرى، على عكس قطر وإيران المقيدتين سياسياً واقتصادياً بسبب تدخلهما في شؤون الدول الأخرى.
إضافة إلى ذلك، تمتلك روسيا أكبر احتياطي غاز عالمياً، وهو يعادل تقريباً حجم احتياطي قطر وإيران مجتمعتين وباعتبارهما تتمتعان بثاني وثالث أكبر احتياطيين، حيث يتيح هذان العاملان إمكانات لتحقيق رغبة روسيا في الاستحواذ على ربع تجارة الغاز في الفترة القادمة، إذ من المتوقع أن ترتفع الطاقة الإنتاجية للغاز في روسيا بنسبة كبيرة تصل إلى 130% في غضون خمس سنوات، لتصل إلى 68 مليون طن في عام 2025، مقابل 29.5 مليون طن في العام الماضي، كما تشير إلى ذلك وزارة الطاقة الروسية.
تأتي هذه التطورات في سوق الغاز الدولي لتضيف تعقيدات ومنافسات شديدة، وبالأخص بعد دخول الولايات المتحدة، كأحد أكبر مصدري الغاز، وكذلك الإعلان عن اكتشافات كبيرة في كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، مما يعني أن امتلاك البنى التحتية المرنة والرخيصة ستلعب دوراً حاسماً في ترجيح كفة الفائز في هذه المنافسة الشرسة، وهي كفة تميل لصالح روسيا بصورة واضحة ومؤكدة.
لذلك يتوقع أن تشهد أسواق الغاز العديد من التغيرات باتجاه تنامي دور بعض المنتجين، كروسيا والولايات المتحدة وتراجع دور آخرين، كقطر وإيران، حيث سيكون لروسيا القول الفصل في سوق الغاز، مثلما للسعودية حالياً القول الفصل في سوق النفط، مما سيحولها - أي روسيا - إلى سيدة الغاز في العالم دون منازع.
يتطلب ذلك من اللاعبين الأساسيين الآخرين البحث عن أساليب جديدة لتطوير البنية الأساسية للتصدير، إذ سيتوقف ذلك بصورة رئيسية على الموقع الجغرافي لكل دولة وقدراتها الاستثمارية، وحسن علاقاتها مع دول الجوار، وضمان سلامة واستقرار الإمدادات.
من ناحية هذه المتطلبات، تمتلك السعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى الكويت أفضل الظروف لبناء شبكة إمدادات غاز متفرعة بأكثر من اتجاه، فهي تمتلك الاستثمارات اللازمة والموقع الجغرافي وعلاقات التعاون وحسن الجوار مع الدول الأخرى، إضافة إلى الضمانات الأمنية الخاصة بالنقل وحماية خطوط الإمداد، وبالأخص بعد التطورات الجيو-سياسية الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، والتي أوجدت ووفرت ظروفاً مستجدة للتعاون بين العديد من الأطراف الفاعلة، وهو ما يخلق فرصاً ستكون لها انعكاسات كبيرة ليس على صناعة النفط والغاز فحسب، وإنما على القطاعات الاقتصادية كافة في بلدان المنطقة.
مثل هذه التغيرات في صناعة الطاقة الدولية وفي العلاقة بين دول المنطقة ذاتها، ستفرض على الأطراف كافة إعادة حساباتها القديمة، حماية لمصالحها. فالزمن القادم، هو زمن القوة الاقتصادية المبنية على التقنية والعلم والمعرفة. 
*مستشار وخبير اقتصادي