نُسَلّمْ مسبقاً بأن قطع رأس مدرس التاريخ «صامويل باتي» على يد الشاب الشيشاني عبدالله أنزوروف، عمل إرهابي لا يقره الإسلام، وهو فعل شنيع يستحق الإدانة. لذلك استنكرت دولة الإمارات العمل الإرهابي الذي أدى إلى مقتل مدرس التاريخ الفرنسي، وأكدت في بيانٍ وجوب احترام المقدسات والرموز الدينية، والابتعاد عن إثارة الكراهية بالإساءة للأديان.
كما قال شيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيب في تغريدة له: «نبينا صلى الله عليه وسلم أغلى علينا من أنفسنا، والإساءةُ لجنابه الأعظم ليست حريةَ رأيٍ، بل دعوة صريحة للكراهية والعنف، وتبرير ذلك بدعوى حماية حرية التعبير هو فهمٌ قاصر للفرق بين الحق الإنساني في الحرية والجريمة في حق الإنسانية، باسم حماية الحريات».
وفي مشهد آخر، رأينا أئمة مساجد فرنسا يتضامنون مع مدرِّس التاريخ، ويضعون باقة زهور أمام مدْرسته، محذِّرين من «مخاطر التطرف على الجالية المسلمة في فرنسا». وفي الوقت نفسه أغلقت فرنسا مسجداً وحلت جماعة موالية لـ«حماس»، على خلفية ذبح المدرس، وستصدر قرارات بحق جمعيات، حسب قول الرئيس الفرنسي. 
هذه إجراءات من حق فرنسا أن تتخذها في إطار سيادتها، لكن المطلوب منها أيضاً أن تتفهم أن الإساءة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، هي إساءة لوجدان مليار ونصف مليار مسلم في العالم. 
إن تكرار هذه الحوادث في فرنسا، مع وجود جالية مسلمة كبيرة، يطرح تساؤلاً مشروعاً: ما الحل المناسب؟ في هذا السياق نورد رسالة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في لقاء «المغردون»، والتي قال فيها: «الدول الأوروبية لا تدرك أن هناك 50 مليون مسلم في أوروبا، لا تدرك أن الإسلام دين آخر من الديانات الأوروبية، ولا تريد أن تدرك أن هناك دولاً أوروبية حاضنة للتطرف، فعليها إمّا أن تكشف هذا اللبس، أو تتحمل المسؤولية، وسنرى أكثر المتطرفين يخرجون من أوروبا، لأنه ينقصهم اتخاذ القرار ويحاولون سياسياً أن يفهموا الإسلام أكثر منا وهذا هو (الجهل تماماً)». 
كثير من الحكومات قاتلت التطرف، دون أن تواجهه بالفكر، لذلك زاد الإرهاب، ولاحظنا أن كثيراً من المنضمين لـ«داعش» هم من المتحولين الجدد إلى الإسلام. 
الرئيس ماكرون يصرح بعبارات ومصطلحات تخدم الجماعات المتطرفة، وتستفز المسلمين المعتدلين الذين يتعاطفون مع فرنسا في إدانة الإرهاب، وهو يظن أنه يدافع عن الحرية بدفاعه عن الرسومات الكاريكاتيرية. فهل المدرسون في فرنسا لا يجدون نماذج غير هذه الرسوم المسيئة ليعلموا طلابهم حرية التعبير؟!
تأخرت فرنسا في إيجاد حلٍ للمجموعات المتطرفة التي تتغذى على هذه الإساءات لدين الإسلام وتحرض أنصارها، وقد تركتها الدول الأوروبية لأنها كانت تصوب هجومها عبر منصاتها الإعلامية هناك إلى أنظمة الدول العربية، محاوِلةً ابتزازها بتشجيع أوروبي، وبغية إحداث «الفوضى الخلاقة» و«الخريف العربي»، وبعد أن فشلت ارتدت على أوروبا!
لنترك جانباً الإرهاب والإسلام السياسي والمتطرفين والإسلامويين، وهم لا يمثلون منهج رسول الإسلام. إننا نتفق في إدانة ذلك ومكافحته! لكن الرسوم المسيئة موضوع ديني، وفهمنا أن العلمانية لا تتدخل في الدين، وإنما تمثل حرية التعبير وليس حرية الإساءة، خاصة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يمثل عظمة الإسلام والإنسانية.
وإذا كان الهدف هو قطع الطريق على المتطرفين الذين يستغلون الدين الإسلامي ويستخدمون رموزه لزيادة أنصارهم ومريديهم، فينبغي أن نستحضر حساسية التعامل مع «الهولوكوست» رغم أنه «واقعة تاريخية» وليست مقدسة، وذلك لأنها واقعة تؤلم المجموعة اليهودية، ويبقى المطلوب أن «لا تستخدموا حرية التعبير لتؤلمونا، عندما تتهجمون على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم! هذا ما نطلبه». وإذا لم يتم حل هذه الإشكالية، فإن الإرهابيين سوف يتغذون على ما تقدم لهم فرنسا من حريات التعبير المسيئة للإسلام ومقدساته.


*سفير سابق