ليس هناك مفهوم سياسي أو دبلوماسي، متفق عليه عالمياً، مثل «احترام سيادة الدول»، والذي يقوم بالأساس على سياسة عدم التدخل في أي شأن داخلي لأي دولة، وعدم المساس بكينونتها السياسية أو الاجتماعية، وأي خرق، مهما بدا بسيطاً، لهذا المفهوم الشامل، يمكن ملاحظته بسهولة، من قبل دول العالم أجمع، ويجب العمل الفوري، لوقف هذا التدخل.
العلاقات الثنائية بين دولتين، تخضع أيضاً لمفهوم احترام سيادة الدول، وحين تقرر دولة ما إقامة علاقات ثنائية مع دولة أخرى، بناء على مصالحها الوطنية العليا، وكذلك بناء على المصالح المشتركة، فإن أول ما يجب فعله، حسب العرف السياسي والديبلوماسي، أن ترحب الدول الشقيقة والصديقة، بهذه العلاقات، باعتبار أنها ستنعكس بالخير على الأشقاء والأصدقاء، بطريقة أو بأخرى، وأحيانا، وحسب ذات العرف، ولأسباب أخرى، يمكن الصمت وعدم التعليق، وهو أضعف الإيمان.
قد يقول قائل، هناك بعض العلاقات الثنائية بين دولتين، قد تتسبب في قلق لدولة أخرى صديقة أو مجاورة، أو تتسبب في بعض الإحراج لها، قد يكون ذلك أمام مواطنيها، أو مع تحالفات هي جزء منها، ومع أن هذا السؤال يُعدّ مشروعا، لكنه في واقع الأمر، مجرد تجديف في غير مكانه، ويصلح لزمن الحروب الطاحنة، كالحرب العالمية الأولى والثانية، أما في زمن السلم، وحين يتم توقيع اتفاقية بين دولتين، ومع أن هذا قرار سيادي بحت، ومع ذلك فإنه يأخذ بالحسبان، كافة الاحتمالات والتوقعات بشأن الجوار أو العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، ويتأكد منها، بما يضمن أن ينعكس الخير والأمن والسلم، على المنطقة جميعا، فيرسل برسائل الاطمئنان المباشرة وغير المباشرة، التي تجعل الجوار، وكذلك الأصدقاء والحلفاء والشركاء، مطمئنين. 
احترام سيادة الدول لا يتوقف عند الجوانب السياسية والديبلوماسية، بل يتعدى ذلك، إلى المسائل الثقافية والإعلامية، ومن غير المقبول، أن تُظهر أو تخفي دولة ما احترامها لسيادة دولة أخرى، لكنها في الوقت ذاته تكرّس وسائلها الإعلامية وقنواتها لمهاجمة تلك الدولة، ثم تعلن عن ذرائع وحجج غير منطقية لتبرير تلك التصرفات غير المسؤولة، ونذكر جميعا كيف تدخلت قناة «الجزيرة» في الشؤون العربية في مصر واليمن وليبيا، وكذلك في الشؤون الخليجية، كما حدث في البحرين والكويت، وحاولت تأجيج الثورات الشعبية، بل وبلغ الأمر تمويل قيادات تلك الثورات ودعمهم مالياً ولوجستيا، كما اتضح لاحقاً.
بالأمس، تباشر السودان الشقيقة علاقاتها مع إسرائيل، ولا شك أن جميع الدول الصديقة والشقيقة ترحب بقرار السودان السيادي، وعلى رأسها الإمارات التي أعلنت أن «قرار السودان مباشرة العلاقات مع دولة إسرائيل تعد خطوة مهمة لتعزيز الأمن والازدهار في المنطقة»، وأكدت «أن هذا الإنجاز من شأنه توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والدبلوماسي»، وكذلك رحبت دول كثيرة كمصر والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أميركا التي أعلنت عن رفع اسم السودان من قائمة الدول الإرهابية، وأنها ستعمل على أن يستعيد السودان حصانته السيادية، وعلى التواصل مع شركائها الدوليين لتخفيف أعباء ديونه.
ألف باء نظرية «احترام سيادة الدول»، هو الترحيب والتشجيع أن يشق السودان طريقه نحو التعاون مع المجتمع الدولي، ويعود كلاعب أساسي في المنطقة، وأن تنتهي جميع أزماته التي ورثها من النظام السابق، وأن يحظى بالنهوض الاقتصادي الذي يحتاجه الشعب السوداني للاستقرار والازدهار، وألف باء عدم احترام سيادة السودان، وأي دولة تقيم علاقات ثنائية مع دولة أخرى، هو الطعن في قرارها السيادي، بشكل مباشر أو عن طريق الإعلام الموجه، وتأجيج الشعوب عاطفيا ضد مصالح السودان العليا ورؤيته وخطته الكبرى، التي يراها ملائمة.
هل آن لتركيا التي تجاوزت الحدود، وتحت نظر المجتمع الدولي، فاحتلت الشمال السوري، ثم تدخلت في ليبيا ثم تهجمت على أوروبا في شرق المتوسط، أن تبدأ التفكير في «احترام سيادة الدول»؟ وهل لدى إيران، التي تنشط للتدخل في الشؤون الداخلية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، من خلال أذرعها السياسية والعسكرية، خطة للتراجع واحترام سيادة تلك الدول؟ أم أن هذه المنطقة من العالم، ستبقى تُعاني من تخبط الذين لا يحترمون الأعراف السياسية والدبلوماسية، بل ويتباهون أنهم يفعلون ذلك من أجل تحرير القدس، مع أن أي منهم لم يطلق طلقة واحدة، من أجل فلسطين؟!؟

* لواء ركن طيار متقاعد