في الذكرى الحادية والخمسين لصدور صحيفة «الاتحاد»، أقامت منتداها الخامس عشر حول رؤية دولة الإمارات للتعايش والتسامح والسلام، وعندما كنت أُعدُّ محاضرتي للمنتدى أصدر البابا فرانسيس رسالةً بابويةً جديدةً في ذكرى القديس فرانسيس الأسيزي، جعلها بعنوان «كلنا إخوة»، وذكر فيها باشتياقٍ لقاءَهُ مع شيخ الأزهر بأبوظبي وإصداره معه وثيقة الأخوة الإنسانية للتسامح والسلام والعيش المشترك.
إن كل اتفاق بين طرفين يكون في الأصل إعلاناً للنيات، ولا بد من الانتظار لمعرفة مدى إصرار الطرفين على السير في مقتضيات الاتفاق ونتائجه بحيث يتحول إلى مسار، أما في حالة دولة الإمارات فإن رؤية التعايش والتسامح والسلام، تحولت لديها منذ مدة إلى سياسات، ومنذ عقدين بدأت لديها سياسات التغيير التربوي والتعليمي من أجل تربية للمستقبل، والتي تجلّت في السنوات اللاحقة في برنامج التربية على السلام، وهناك جانب التطوير في البرامج لرفع المستوى والكفاءة في سائر المراحل التعليمية، وقد صار العمل على التطوير التربوي شاملاً في دول المنطقة، بيد أن الرؤية التربوية في دولة الإمارات شملت مسألتين أُخريين: الانفتاح على الآخر الداخلي وفي العالم، وتعميق المعارف بالديانات والثقافات والحضارات، ففي دولة الإمارات يعيش أُناس للعمل من مائتي جنسية. 
وإلى جانب برامج التربية العامة والتعليم العام، من أجل المستقبل والسلام، كان هناك وما يزال الاهتمام بالتربية الدينية والتعليم الديني، وكانت هناك ضرورات لرؤيةٍ أُخرى في الدين ومن أجل سلامه وسكينته، لذا قامت جهاتٌ تعليميةٌ وتدريبيةٌ للائمة والمدرّسين وجهات الفتوى والوعظ والإرشاد، وفي محاضرات المنتدى الخامس عشر تحدث الشيخ عمر الحبتور الدرعي عن سياسات الدين في الدولة لهذه الناحية، وقبل سنوات أنشأت الدولة «مركز الموطَّأ» من أجل إعداد العلماء الإماراتيين في الدراسات العليا.
أما في السياسات العامة للدولة، الداخلية والخارجية، فقد استُحدثت إلى جانب وزارة الثقافة، وزارة للتسامح، كما جرى اشتراع قوانين ضد الكراهية، وازدراء الأديان والعقائد. 
وفي بحوث المنتدى الخامس عشر لصحيفة «الاتحاد»، تحدثت الباحثة عائشة المرّي عن سياسات الدولة الخارجية تجاه السلام، العربي والإقليمي والعالمي، وذكرت جهود الدولة في الوساطة لإنهاء النزاعات، ولصنع السلام والدفاع عنه، ثم العمل على بناء السلام. وذكّرت بجهود الإمارات منذ السبعينيات وحتى اليوم، من لبنان إلى حرب الخليج الثانية إلى الصومال ثم اليمن، ودبلوماسية السلام بين إثيوبيا وإريتريا، وعمليات بناء السلام في السودان وفي اليمن، وتناولت الباحثة عمليات بناء السلام وصعوباتها واستمرارها على فتراتٍ متطاولة، وكنتُ قد ذكرتُ في محاضرتي هذه الجهود باعتبارها تدخل في أعمال الخير العام والإنساني.
وبعد عام 2011، وبسبب انتشار الاضطراب، واستشراء أعمال العنف باسم الدين، رأت قيادة الدولة أنه لا بد من جهودٍ إضافيةٍ للحيلولة دون استيلاء المتطرفين على الدين، فدعمت بالتعاون مع مشيخة الأزهر إقامة مجلس الحكماء، كما دعمت إقامة منتدى تعزيز السلم برئاسة العلاّمة الشيخ عبد الله بن بيه ومقره أبوظبي.
ومنذ عام 2015 أقبل مجلس الحكماء بقيادة شيخ الأزهر على إقامة المؤتمرات ضد التطرف والإرهاب، بين مصر وأبوظبي، كما أصدر إعلانات للمواطنة والعيش معاً، وعقد لقاءات في أبوظبي ومصر ومع كبار رجالات الكنائس والسياسيين بأوروبا، وصولاً إلى الإنجاز البارز متمثلاً في وثيقة الإخوة الإنسانية مع البابا فرانسيس بأبوظبي بتاريخ 4 فبراير 2019.
أما منتدى تعزيز السلم فعقد عدة مؤتمراتٍ ضد العنف، وللمواطنة والدولة الوطنية، وأصدر مجلة السلم، ويعمل على موسوعته، وفي عام 2016 وبالتشارك مع وزارة الأوقاف المغربية، عقد بمدينة مراكش مؤتمر عن الإسلام والأقليات والدولة الوطنية، وصولاً بعد نشاطات وبيانات مشتركة إلى ميثاق حلف الفضول الجديد الذي يتطلع إلى مقاربةٍ أخرى للنظام العالمي الجديد، تقوم على مكارم الأخلاق.
كان لقاء المنتدى الخامس عشر، والذي جرى عن بُعْد، فرصةً للتداول بين كُتّاب «وجهات نظر» بصحيفة «الاتحاد»، حول الثوابت والمتغيرات، وجهود تعزيز الاستقرار والسلام وفق رؤية دولة الإمارات وسياساتها.

*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية