تأخذ الفجوة بين الأفراد والطبقات والأمم أبعاداً رقمية، وكذلك تأخذ التنمية اتجاهات وأهدافاً رقمية، إذ التنمية والتقدم صارا يقاسان بالرقمنة أو الثروة الرقمية، وصار يؤشر إلى تقدم الأمم بما تحوزه من فرص وإمكانيات رقمية، كما تستهدف الحكومات والمنظمات الدولية تزويد الأفراد والمجتمعات والمؤسسات بالقدرات والأجهزة والمهارات والمعارف المرقمنة، ولم يعد مبالغة القول إن الأمم تمر بمرحلة من إعادة الصياغة والتنظيم الرقمي، وإن الأمم التي تفشل في العبور تواجه التهميش والفناء.
وقد وضعت الأمم المتحدة، عبر تقرير «الحكومات الإلكترونية»، مؤشراً يقيس مستوى التنمية الإلكترونية، يتراوح بين 0 –1 ويكون مقياس التقدم بالطبع بمقدار الاقتراب من الرقم 1، حيث حصلت الدول المتقدمة إلكترونياً على مؤشرات تزيد على 0.8، والحال أن الدول جميعها اليوم تحاول استيعاب التحولات الناشئة لتؤهل نفسها للدخول في عمليات الإدارة والتنظيم الرقميين. وتُظهِر مطالعة المؤشرات الرقمية أن العالم يتقدم في هذا المجال، وقد سرّعت جائحة «كوفيد-19» في عمليات الاستيعاب والتحول على نحو مضاعف، كما تعرضت البنى الرقمية للاختبار في مدى قدرتها على أن تقدم الخدمات الأساسية في العمل والتعليم والتسويق والتواصل، كما وضعت حداً للمماطلة والمقاومة التي كانت تمارسها مصالح وطبقات ومؤسسات، معتقدةً أن في مقدروها منع أو تأخير التحول الرقمي، وقد ظهر بوضوح أنها سببت الكثير من الخسائر والكوارث لنفسها ومجتمعاتها.
وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من أفضل دول العالم في مؤشر الخدمات الإلكترونية، فقد حازت على الترتيب 21 بين دول العالم، متفوقةً على إسرائيل (رقم 30) وعلى دول أوروبية عدة. وقد أحرزت بعض الدول العربية تقدماً مهماً وسريعاً، مثل البحرين (38) والسعودية (43) والكويت (46) وعُمان (50).
وفي المؤشرات التفصيلية للتنمية الإلكترونية، حصلت دولة الإمارات على مؤشرات مرتفعة جداً، مثل: الخدمة عبر الإنترنت: 0.90، رأس المال البشري: 0.73، البنية التحتية للاتصالات: 0.9344، مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية: 0.8555.
وتعتبر كوريا الجنوبية الرائدة عالمياً في الخدمات الإلكترونية، حيث حازت على المؤشر 1.0، وتشير خطتها للعام 2020 إلى تحقيق حكومة ذكية ومبتكرة ومفتوحة للمواطنين. واستخدام الذكاء الاصطناعي وبيانات الابتكار في الإدارة العامة، وتوفير استباقي للخدمات التي يديرها المواطن والمصممة لاستيعاب الاحتياجات المحددة للناس، لاسيما الفئات الأكثر ضعفاً، وتيسير اقتصاد البيانات والذكاء الاصطناعي من أجل بناء أساس قوي لتطوير اقتصاد رقمي مستدام، وكذلك إنشاء المدن الذكية، وتحسين الإدارة العامة، وتطوير التكنولوجيا لصالح المجتمع، وتوفير منصات للمشاركة الإلكترونية والبيانات والحصول على الخدمات والتسوق، وحماية البيانات والمعلومات الشخصية، وتحقيق الأمن الرقمي.
وفي النرويج وضعت الدولة متطلبات قانونية للقطاعين العام والخاص، لأجل تطوير بنية تحتية عالمية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تهدف إلى تحديث القطاع العام وتبسيطه وتحسينه، وأنشأت بوابات وطنية لتوجيه المواطنين إلى الخدمات الرقمية العامة على جميع مستويات الحكومة. وبسبب الهيكل اللامركزي في النرويج، والذي يركز على البلديات، أنشئت بوابات متخصصة تخدم مختلف الفئات والأغراض. مثل تقديم التقارير والبيانات عبر الإنترنت إلى الهيئات الحكومية، والشراء الإلكتروني، وتدفق البيانات وتداولها عبر المؤسسات والدول الأوروبية المشاركة في تبادل الخدمات، مثل أعمال وخدمات السلطات الضريبية، حيث تتعاون في ذلك النرويج والدنمارك وآيسلندا وفنلندا والسويد.
وهناك، حسب التقرير العالمي، 47 دولة توصف بأنها الأقل نمواً في التنمية الإلكترونية، لكن العالم على نحو عام يتقدم إلكترونياً، وتظل أوروبا قائدة العالم في تنمية الحكومة الإلكترونية وفي توفير الخدمات عبر الإنترنت.