نقابل في حياتنا المهنية والعامة الكثير من الناس الذين ينتمون إلى شعوب وثقافات مختلفة، ولديهم قيم وديانات وأيديولوجيات وعادات وتقاليد ولغات مختلفة، أو قد يكونون حتى من نفس الثقافة أو المجتمع ولهم ميول وتوجهات شخصية وفكرية واجتماعية لا تتوافق مع الفكر السائد في المجتمع، وقد نضعهم في خانة تصنيف خاصة، وقد نمرر الأحكام المسبقة بشأنهم أو نشيطنهم أو ننظر لهم بفوقية، أو أنهم غير مساوين لنا في القيمة والقدر، مما يقودنا للحديث عن أهمية الكفاءة الثقافية: وهي قدرة الشخص على التفاعل والعمل وتطوير علاقات ذات معنى مع أشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة، يمكن أن تشمل الخلفية الثقافية معتقدات وعادات وسلوكيات أشخاص من مختلف المجموعات، وتطوير المهارات الاجتماعية والسلوكيات حول التنوع، واكتساب القدرة على قبول الآخرين، وهو ما يتجاوز التسامح الذي يعني ضمناً أن المرء مستعد ببساطة للتغاضي عن الاختلافات، ولكن يشمل الاعتراف بالتنوع واحترامه من خلال أقوالنا وأفعالنا في جميع السياقات.
وبالتالي، فإن القدرة على التواصل بنجاح من خلال تقدير المواقف تبعدنا عن التعصب وضيق الأفق، والقوالب النمطية ذات الجذور العميقة التي يمكن أن تخلق الحواجز أمام التعامل الأخلاقي والإنساني مع الآخر، وألا نكون تحت تأثير نقاطنا العمياء عندما يتعلق الأمر بمعتقداتنا وقيمنا مقابل معتقدات وقيم الآخرين، وأن نبحث دائماً عن العوامل المشتركة بيننا وفي حال لم تكن موجودة فنتبنى قيماً ناشئة مقبولة للطرفين.
فمن المهم أن نفتح قنوات انفتاح على وجهات النظر والآراء المختلفة، وعدم الحكم على الآخر من منطلق تعلمنا وفهمنا نحن، وما سمعناه عن الآخر، وما يعتبر مسلمات بالنسبة لنا، فلربما كانت معرفتنا ووعينا غير كافيين لتجنب وإدارة الألغام العابرة للثقافات والعقول، وفي حين أن الطبيعة البشرية موروثة فإن الثقافة يتم تعلمها.
ويختلف الأفراد في جميع الثقافات على أساس الإخلافات والتفضيلات والقيم والتجارب، والأبعاد الثقافية القابلة للتطبيق في بيئته وعالمياً، والمتجسدة في جميع جوانب الحياة بما في ذلك الحياة الأسرية وممارسات تربية الأطفال، والتعليم والتوظيف، وممارسات الرعاية الصحية والنزعة الفردية والجماعية، وبالتالي قد يؤثر البعد الفردي في الجمعي والعكس صحيح، ويعطّل العقل النقدي الفاحص لدى الإنسان ويشكل تصورات الفرد والجماعة ، وإنْ كانت خاطئة.
ومن هذه الأفكار الإنتقائية الإقصائية توزيع القيم بين الجنسين والتقسيم الطبقي للمجتمع وجعل قيم التسامح مشوهة ومبتورة، ومدونات لسلوك مشين قد يتحول لفضائل منقوصة موجهة نحو المستقبل ومن معوقات تقدم المجتمعات التي تعيش في غيبوبة عن حقيقة أننا قد تعدينا مرحلة العولمة ونخوض تجربة ما بعد العولمة، خاصةً أن النجاح في التنقل السلس بين العوالم الشفافة التي تقع بين التصنيفات يتطلب قدرة الشعوب على فهم وتقدير التنوع بأشكاله المتعددة، والاتصال المتكافئ بين الثقافات، وما يتصل بذلك من تحديات الاستماع النشط، وإظهار التعاطف والمشاركة الفعّالة مع الآخر والتفكير في ما وراء المحتوى، وعدم الوقوع ضحية لوسائل الإعلام المتعددة ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى المعرفة التي قد تكون موجهة، وتجنب البيانات المحمّلة بالقيم الإزدواجية، والتي قد تحول الفرد لسلاح ضد مجتمعه أو مطية لتسخير مجتمعه للفاعلين الدوليين، وهنا لا بد أن ندرك أن كل شخص فينا لديه نظرةً ضيقة في بعد ما، وأفكار تبرمجت في عقولنا وهي موجودة سواء كنا على علم بها أم لا، ومع ذلك، إذا كنا ندرك تحيزاتنا فيمكننا العمل على التقليل من تحيزاتنا وآثارها على تفاعلاتنا مع الآخرين.