سريلانكا واحدة من أقرب الدول المجاورة للهند. لكن العلاقة بين البلدين تعرضت لبعض الاضطرابات في غمرة حراك متغير في جنوب آسيا حيث دأبت الصين على تعزيز تواجدها في هذه المنطقة. لكن الهند تحتفظ بحضور مهيمن في جنوب آسيا. وفي الأيام القليلة الماضية، عقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اجتماعاً عبر الإنترنت مع نظيره السريلانكي ماهيندا راجاباكسا، في أول اجتماع افتراضي بين الزعيمين الجنوب آسيويين. وتناول مودي ونظيره السريلانكي طائفة واسعة من قضايا العلاقات الثنائية، مركزين على تعزيز التعاون في مجالات محورية. وفي هذه القمة الثنائية الافتراضية، عبر رئيس الوزراء الهندي عن ثقته في أن الانتصار الانتخابي الهائل الذي حققه الحزب الحاكم في سريلانكا المدعوم بسياسات حكومة راجاباكسا سييسر توطيد التعاون بين البلدين. وأشار «مودي» إلى أنها «فرصة لبداية فصل جديد في العلاقات الهندية السريلانكية». 

وكان «ماهيندا» قد أدى اليمين الدستورية لمنصب رئيس وزراء سريلانكا في أغسطس الماضي بعد أن فاز حزبه «الجبهة الشعبية» السريلانكية بأغلبية في الانتخابات البرلمانية. وخرجت سريلانكا التي تحتل موقعاً استراتيجياً في المحيط الهندي من حرب أهلية عام 2009 بعد أن حصدت أرواح 70 ألف شخص على مدار ثلاثة عقود. وكانت القوات السريلانكية المسلحة قد حققت انتصاراً في عام 2009 بعد معارك على جماعة تحرير نمور التاميل (إيلام) التي شنت حملة عسكرية للحصول على وطن مستقل لعرقية التاميل. وفي السنوات القليلة الماضية، تعرضت سريلانكا لعدم استقرار سياسي نتيجة التناحر بين زعمائها ونتيجة المشكلات الاقتصادية التي من بينها الديون. وحصلت البلاد في الماضي على قروض بمليارات الدولارات من الصين. لكنها عانت من هجوم إرهابي مروع في أبريل عام 2019 حين استهدفت سلسلة من التفجيرات الإرهابية الانتحارية المنسقة ثلاث كنائس وثلاثة فنادق فاخرة في العاصمة التجارية كولومبو. وأودت هذه الهجمات بحياة 259 شخصاً إجمالاً. 
ولا شك أن فوز «ماهيندا راجاباكسا» كشف عن رغبة في سريلانكا لقيادة قوية للتصدي للتحديات التي تواجه البلاد. وصحيح أن الهند دعمت راجاباكسا منذ نهاية الحرب الأهلية، لكن العلاقة توترت بعد أن تبين أن الزعيم السريلانكي لم يعتمد على تقوية علاقاته مع الهند رغم الروابط الثقافية والتاريخية الوثيقة تقليدياً بين الهند وسريلانكا. وراقبت نيودلهي بقلق تعزيز علاقات كولومبو ببكين، وخاصة في ظل الفترة السابقة لقيادة الرئيس ماهيندا راجاباكسا بين عامي 2005 و2015. وشعرت نيودلهي بالانزعاج لأن راجاباكسا تقاعس عن مساعدة الأسر التاميلية النازحة بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 2009. 
وكشفت القمة أنه لدى الهند قضية محورية وهي تاميل سريلانكا لأن هناك علاقات بين التاميل الهنود وتاميل سريلانكا، ومصير الجماعة يثير قلق الهند. وفيما يتعلق بجماعة تاميل سريلانكا، جاء في بيان مشترك نُشر بعد المحادثات أن رئيس الوزراء «مودي»، دعا حكومة سريلانكا لمعالجة طموحات الشعب التاميلي في المساواة والعدل والسلام والاحترام في إطار سريلانكا موحدة من خلال المضي قدماً في عملية المصالحة داخل إطار تطبيق التعديل الثالث عشر في دستور سريلانكا. والتعديل الثالث عشر يمنح بعض السلطة لأعضاء جماعة التاميل. 
وبخلاف هذا، نوقش عدد من المجالات الأخرى في العلاقة بين البلدين. فقد قرر البلدان تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات وفي مجالات الاستخبارات وتبادل المعلومات ومحاربة التشدد وبناء القدرات. وفي قطاع البنية التحتية، قرر البلدان استكمال بناء 10 آلاف وحدة سكنية في المناطق الزراعية التي أُعلنت أثناء زيارة «مودي» لسريلانكا في مايو 2017. وفي الوقت نفسه ناقش الزعيمان مشروعات بنية تحتية أخرى مثل ميناء الشحن الشرقي في كولومبو وهو المشروع الذي تحرص الهند واليابان على المضي قدماً فيه. لكن راجاباكسا لم يعط بعد الضوء الأخضر لهذا المشروع. 

وتطلعت سريلانكا إلى تأجيل سداد الديون رغم أن الهند وافقت في وقت سابق على آلية لمقايضة العملات بقيمة 400 مليون دولار لصالح سريلانكا. وبعد الاجتماع، قدمت الهند أيضا خط ائتمان بقيمة 100 مليون دولار لسريلانكا لإقامة ثلاثة مشروعات لتوليد الطاقة الشمسية في البلاد. لكن على الرغم من مضي الهند وسريلانكا قدما في فصل جديد من علاقاتهما، من الواضح أن هناك بعض القضايا القديمة التي مازال يتعين حسمها بين البلدين.