في دراسة إحصائية للبنك الدولي، هناك مليار إنسان مجهول الهوية. أي حوالي سِبع سكان الكرة الأرضية. ويعود السبب في ذلك إلى أن هؤلاء لا يملكون أوراقاً تثبت أسماءهم، وجنسياتهم.
يؤدي الإفتقار إلى الهوية الشخصية، إلى الحرمان من خدمات الدولة في الصحة والتعليم، والحرمان من المشاركة في الحياة السياسية لاختيار ممثليهم في المؤسسات الدستورية. ويعني أيضاً افتقار الدولة إلى معرفة مواطنيها الذين يُفترض أنها تتولى حمايتهم والدفاع عن مصالحهم، وكذلك جباية الضرائب منهم.
عندما أصدرت الهند قانون الجنسية الجديد، وجد بعض المسلمين الهنود أن مصيرهم في خطر، ذلك أن القانون أعطى الحكومة صلاحية كاملة لطرد غير المواطنين. وهذا يعني أن المسلمين الهنود غير المسجلين في دوائر الأحوال الشخصية والذين لا يملكون أوراقاً تثبت هويتهم الهندية، يمكن أن يُعتبروا لاجئين غير شرعيين،.
لا تقتصر  هذه المشكلة على الهند وحدها، ولكنها تشمل العديد من الدول الأخرى، وخاصة دول جنوب الصحراء الافريقية. فدول مثل الكونغو وليبيريا مثلاً لم تبدأ عملية تسجيل المواليد فيها إلا مؤخراً. أما نيجيريا -الدولة الأفريقية الأكبر من حيث عدد السكان (حوالي 190 مليون)-، فإن سجلاتها الرسمية تقتصر حتى الآن على خمس السكان فقط، أي أن أربعة أخماس الشعب النيجيري لا يملكون هوية شخصية، وبالتالي لا يشاركون في العملية السياسية الانتخابية، ولا يسددون ضرائب للدولة، ولا يفيدون من خدماتها العامة. ويقدر عدد الأفارقة الذين لا يستطيعون تحديد هويتهم الوطنية بحوالي نصف عدد سكان القارة، استناداً إلى دراسات البنك الدولي.
وحتى في بعض الدول، التي تسجل مواطنيها وتمنحهم أوراق الهوية الثبوتية، تعرّضهم عن طريق هذه الوثائق الرسمية إلى مخاطر التمييز العنصري أو الديني، وربما إلى ما هو أشد وأدهى. فبطاقة الهوية الوطنية التي تمنحها الدولة اللبنانية لمواطنيها، تذكر فئة الدين، مسلم أو مسيحي. وتحدّد فئة المذهب سني أو شيعي، ماروني أو ارثوذكسي..الخ.. ذلك ان النظام السياسي اللبناني قائم على مبدأ المحاصصة الطائفية. وأثناء الحرب الأهلية (1975-1998) كانت هوية المواطن اللبناني وثيقة الحكم له أو عليه، حسب هوية حواجز المسلحين التي كانت تعترض سبيله من القوى المتصارعة.
ولعل أسوأ وأخطر ما أسفر عنه هذا الأمر حدث في رواندا بأفريقيا، حيث إن أوراق الهوية كانت تحدد الانتماء العنصري – الإثني لحاملها، مما كان يكشف هوية قبائل التوتسي الذين تعرضوا لعملية إبادة على يد خصومهم القبليين من قبائل «الهوتو».
لا يبدي بعض الدول في أفريقيا جنوب الصحراء اهتماماً بمنح جميع المواطنين أوراقاً لاثبات الشخصية. وبعضها الآخر يمنح هذه الأوراق مع تفاصيل –غير ضرورية- عن الدين والعرق والجنس في مجتمع لا يزال منقسماً حول كل هذه القضايا.. بحيث أن التحديد قد يكون سبباً للقتل أو الاستعباد أو سبباً للسلامة والحرية.
لقد بدأت مؤخراً في كل من ليبيريا والكونغو عملية إصدار أوراق رسمية لإثبات الهوية الشخصية للمواليد الجدد. ولكن هذه العملية على أهميتها تلقى إقبالاً خجولاً. بل انها تلقى تردداً وانكفاءً، خاصة في القرى والمناطق المعزولة. ذلك أن "المواطنين" ومعظمهم من الفقراء، لا يستطيعون ان يدفعوا رسوم التسجيل، أو إنهم لا يدركون أهمية وضرورة التسجيل.

مرّ وقت طويل بقي خلاله السكان الأصليون في الولايات المتحدة –الهنود الحمر- خارج الدولة، لأنهم تجمعوا في محميات منغلقة فلم يسجَلوا كمواطنين ولم يحملوا هوية أو جواز سفر. وحدث هذا الأمر كذلك في كندا. الا ان هذا الوضع تغيّر الآن، واصبح للهنود الحمر ممثلون في مجلس النواب الأميركي، وكذلك في مجلس النواب الكندي.
إن ثقافة الإنغلاق على الذات ومقاطعة الدولة والتصرف على أساس أن لاحاجة لها، كما حدث لبعض مسلمي الهند، وشعوب افريقية عديدة أخرى، هي ثقافة سلبية وإنغلاقية في عالم متفتح ومنفتح.
تعالَج هذه المشكلة –كما حدث في أميركا وكندا- بالإستيعاب والتشجيع، وليس بالإقصاء والطرد، وهو ما بدأت العمل به الدول الافريقية جنوب الصحراء.