«نريد وطن»، هذا هو المطلب الذي عبّر عنه بالدارجة العرقية شباب تشرين في احتجاجاتهم العام الماضي، وهم يواصلون مطالبهم في ساحة التحرير ببغداد، وقد تحولت إلى ساحة ثقافية تجتمع فيها فنون الرسم والموسيقى وإلقاء الشعر وكتابة المقالة وغيرها..! ويطالعنا في ساحة الشهداء شباب «التك توك» (رمز الثورة)، وقد أصبحوا عنوان لوحة للفنان تحسين الزيدي، وموضوع نص للروائي العراقي «وارد بدر السلام»، الذي ألّف كتاباً بعنوان «نريد وطن»، يعد أول كتاب يصدر عن هذا الحراك من الزاوية الثقافية، الأكثر بروزاً فيه، كهوية جامعة أشارت إلى الوعي الشبابي المتقدم، الذي عبَّر عن رسالته الواضحة إلى السلطة وتوابعها بأن الثورة ليست عشوائية، بل ظاهرة ذات أرضية ثقافية مستمدة من التاريخ العراقي الممتد.
«نريد وطن» الشعار الوطني الذي استفز السلطة، وهو تعبير صريح عن فقد وطن تناهبته الميليشيات في فوضى سياسية مريبة، أضاعت الدولة والوطن وسرقت كل حقوقه الطبيعية، وأثارت فيه النعرات الطائفية، في غياب مشروع المواطنة وسيادة المحاصصة التي تضعف الروح الوطنية وتضعف الدولة الحامية للوطن. 
إن مأزق قرار الدولة تَحفُّه منظومة معقدة وسيناريوهات متقاطعة، وأصل المشكلة يكمن في غياب فكرة المواطنة والحقوق المرتبطة بها والتي يبحث عنه «شباب تشرين»، لكن السلطة لا تريد استيعابهم أو تفهمهم. 
المحتجون الذين ضحوا بأرواحهم وتعرضوا للخطف والتعذيب والقتل، يرفعون مطلباً سامياً هو «الوطن»، كي يحتضنهم في ثناياه بالأمان والطمأنينة. 
ويتساءل الكاتب: لماذا نريد وطناً؟ وهو سؤال ذو نبرة حزينة، لصدوره عن الذات الاجتماعية التي خسرت كل شيء في سياسة أحرقت البلاد في أتون التبعية للخارج.
ويعيش العراق تنازعاً ومؤلماً، إذ يتقرر مصيره خارج حدوده، بفعل الوكلاء المحليين الموالين لإيران عقائدياً وبالتالي سياسياً، إذا أردت التحدث عن قرار الدولة العراقية، فعليك بالضرورة أن تمر بدهاليز السياسة الإيرانية، ثم عليك أن تعرّج على السياسة الأميركية في العراق وموقع الشأن الإيراني فيها، ومن هنا يصبح العراق ساحةً لصراع الدولتين.
منذ اغتيال «سليماني» وإيران لا ترتضي بأقل من خروج أميركا من العراق ثمناً لدم سليماني! وهكذا تلقت القوات الأميركية رسائل تحذيرية دفعت واشنطن إلى إطلاق تهديدات قد تكون الأولى من نوعها ضد بغداد، حيث توعدتها بإجراءات عقابية وصلت حد التلويح بوقف المساعدات المالية للعراق، ونقل الرئيس العراقي برهم صالح عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تحذيره من استمرار استهداف السفارة الأميركية، وتلويحه بأن الرئيس ترامب يدرس جدياً قرار إغلاق السفارة في بغداد، وربما إطلاق «عمليات تصفية ضد كل متورط في استهداف قواتنا».
وتحاول تنسيقيات الفصائل المسلحة الموالية لإيران وضع هدنة تعلق بموجبها الهجمات الصاروخية على القوات الأميركية، بشرط أن تقدم الحكومة العراقية جدولا زمنياً لانسحاب هذه القوات.
وفي خطوة يرى مراقبون أنها تضع العراق على شفا مواجهة بين الحكومة والمعسكر الموالي لإيران، استدعى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة الخضراء لتحصينها ضد هجمات محتملة للميليشيات الشيعية، لكن من غير المتوقع أن تُقدِم إيران على أي «هجوم استفزازي»، من شأنه أن يحشد الدعم الأميركي لترامب عشية الانتخابات!
لكن كيف للكاظمي أن يحرر قرار الحكومة ليجعله قراراً عراقياً؟ عليه أن يتقمص بطولة «جلجامش» في الميثولوجيا السومرية القديمة، ليصارع ميليشيات مثل «كتائب حزب الله» و«عصائب الحق» التابعة لإيران، وهو تحد صعب!