يحمل المثقف والكاتب والمفكر والفيلسوف، والعالم والسياسي ورجل الدين، والمعلم والفنان والرياضي، والإعلامي والاقتصادي ورجال الأعمال البارزون، وكبار موظفي الدولة والمؤسسات الكبرى والمشاهير المختلفين، والمؤثرون الاجتماعيون في وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرهم من الأفراد العاميين أو المعروفين، أو من لهم تأثير مباشر أو غير مباشر على مجموعة من الأفراد، أو في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، مسؤولية كبيرة نحو المساهمة ولو بالشيء اليسير في تغير أنماط وتوجهات سلبية لدى المجتمعات الإنسانية، مثل ثقافة العنصرية، والعمل على والحد من جعلها مؤسسية، وسد بعض الفراغات في حياة الفرد المعاصر، وتغيير مفاهيم يعتبرها حقائق غير قابلة للنقاش، وبالتالي لا يدرك أنه عنصري وهو يردد كلمات كالتعددية والتسامح والتعايش وقبول الآخر والانفتاح ونبذ ضيق الأفق، وفي الوقت نفسه لديه إيمان كامل بأنه أفضل من غيره، بحكم معطيات تكوينه الخلقي ومجتمعه ودينه، ويتصرف بعكس المفردات التي يتشدّق بها ليل نهار.
فالتصنيف العنصري ليس بالأمر الجديد، وجاء العلماء الأوروبيون بغربلة الناس في الأنواع البشرية، واخترعوا فئات مثل القوقاز، ولكن مع معرفة نادرة عن كيفية عيش الآخرين، وفي نهاية القرن العشرين فقط كشفت البيانات الوراثية، أن الاختلاف البشري الذي نراه ليس مسألة أنواع صعبة بل تدرجات صغيرة وخفية، وكل مجتمع محلي يندمج في المجتمع التالي، وما يصل إلى 95 في المئة من الفروقات الوراثية في جنسنا يقع ضمن المجموعات السكانية الرئيسية وليس بيننا، واليوم لا يمكننا تثبيت العرق بيولوجياً، لأنه موجود مثل صورة في الغيوم، وعندما نعرّف أنفسنا بالألوان لا تعتبر على سبيل المثال المتغيرات الوراثية للبشرة الفاتحة فقط في أوروبا وشرق آسيا، ولكن أيضاً في بعض أقدم المجتمعات البشرية في أفريقيا والعكس صحيح، وقد كان لدى الصيادين الأوائل في أوروبا بشرة داكنة وعيون زرقاء.
وينبغي ألا يفاجئنا أن المفكرين البارزين والعديد من المراجع الدينية والأدبية والتاريخية والعلمية استخدمت لغة لنشر ثقافة الأفضلية الإثنية، وتبرير الدفاع عن العبودية والاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية وكل ثقافة تدعي أنها مهد العلم الحديث، ولا يزال البعض يتصور أن أبناء جلدته لديهم مجموعة فريدة من الصفات الوراثية، وبأنه نقي في دمائه، وهذا التخلف من أسباب العنصرية الناتجة عن اعتقاد الأكثرية، بأنهم مختلفون عن الآخرين، وليس بينهم جد قريب جداً في التاريخ البشري، وهؤلاء لا يدركون أن كونك على شكل معين اليوم لا يعني أن أجدادك يعكسون ما أنت عليه اليوم، وبأن الحضارة السابقة تعكس ما نرى اليوم من مكونات خلقية وثقافية كاملة، وموروث فكري وكتب تكرّس الفوقية، وأذكر أن الدنيا قامت على كاتب نشر مقالين في صحيفة خليجية في السنوات الماضية، كان يتحدث فيهما عن وصف سيدنا عمر بن الخطاب وفق المراجع التاريخية، ويقول: إن هناك مدرستين تصف إحداهما سيدنا عمر بأنه «أسود اللون» أجعد الشعر أفطس الأنف، والأخرى بأنه شديد البياض وأحمر الخدين، وهو مثال موجز على العقل الذي يرفض ما جبل عليه وما لا يمثل هيئته اليوم، وهو ما قد يقود إلى فشل أخلاقي وتحيز عنصري تحول لقواعد ذهبية ترفض فكرة أن جميع شعوب العالم تتمتع بقدرات متساوية في بلوغ أعلى مستويات التنمية الفكرية، والتقنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، ولهذا فمن المهم أن لا يكتب المثقف ما ستقبله فئة معينة على حساب ما قد ينير الطريق للآخرين، لحمل مشعل العقلية النقدية، بغرض الوصول إلى الحقيقة.