أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأسبوع الماضي عن مشروع حكومي لمحاربة ما يسمى «الانفصالية الإسلامية»، وكان قد تعمّد الإعلان عن هذا المشروع في ضاحية «لي مورو» الباريسية الإسلامية المتشددة، في دلالة تشير إلى من وجّهت له هذه الرسالة بالتحديد، حيث إن المشروع، والذي من المفترض أن يُطرح على مجلس الوزراء في ديسمبر القادم، يهدف في المقام الأول إلى تعزيز وترسيخ مبادئ العلمانية في فرنسا.
إحدى الجهات المهمة التي سيتم إشراكها في هذا المشروع هي «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية»، وهذا ما شكّل نوعاً من الرفض من اليمين الفرنسي، وعلى رأسه «حزب الجبهة الوطنية»، على اعتبار أن المجلس مخترق من قبل جماعة الإخوان المتأسلمين. والحقيقة أن «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا» (UOIF)، والذي قامت دولة الإمارات بإدراجه ضمن قائمة المنظمات الإرهابية عام 2014، هو الواجهة الخفية لجماعة «الإخوان» في فرنسا، وهو مَن يحاول اختراق المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، رغم ادعاء الاتحاد بأنه لم يعد تحت وصاية «الإخوان» منذ عام 1991 من الناحية التنظيمية، وهذا مجرد تحايل وخداع، ويتجسد ذلك في تبنيهم لنفس المنهج والأساليب المستوحاة من أدبيات «الإخوان» كتنظيم دولي عابر للقارات، مستغلاً التزايد الكبير في عدد المسلمين المهاجرين إلى فرنسا، والذين أصبح يبلغ نحو 6 ملايين نسمة، ومنذ تأسيس هذا الاتحاد في مطلع الثمانينيات وهو ينفذ ويطبق الأجندات الإخوانية المعروفة كالمخيمات الشبابية والمؤتمرات والملتقيات ونشر الدعوة الإخوانية، عبر توزيع مؤلفات حسن البنا وسيد قطب والمودودي والغنوشي والقرضاوي وغيرهم من رموز «الإخوان»، وتنشيط «العمل النسائي الإسلامي»، وفتح المدارس والمراكز الثقافية ذات الطابع الديني، وتوحيد الجمعيات الإسلامية، وتحديد الخطط للتنظيم الإخواني للسيطرة على الجالية الإسلامية في فرنسا؛ كإنشاء الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا، وتشجيع «الاستثمار الإسلامي»، وغيرها من الأمور التي هي في ظاهرها بريئة، وفي باطنها تعزيز لقواعد السطوة الإخوانية.
والغريب في الموضوع أن الحكومات الفرنسية المتتالية خلال العقود الماضية لم تتخذ مواقف صارمة تجاه «الإخوان»، بل كانت في حالة ارتباك وتذبذب غير مفهوم، رغم علم السلطات بأن «الإخوان» هم من يعملون بكل خبث، من أجل رفع درجات التشدد الديني. ففرنسا كدولة ليس لديها أية مشكلة مع الإسلام كدين، بل مع جماعات الإسلام السياسي التي تريد أن يكون للإسلام (كما تراه) الدور الرئيس في إدارة شؤون الدولة، وهذا ما يخالف القانون الفرنسي لعام 1905 القائم على ترسيخ مبادئ الجمهورية العلمانية، وقد سبق لمرشحة اليمين لانتخابات الرئاسة الفرنسية مارين لوبان أن طالبت بحل المنظمات الإسلامية المحسوبة على «الإخوان» بسبب دعمها للتطرف والإرهاب، حيث يحرص هؤلاء على الترويج للخطابات المناهضة للحضارة الغربية وللقيم الأوروبية المحرمة في نظر «الإخوان»! وهذا ما دفع الأوروبيين للتساؤل: طالما أن هؤلاء يحرّمون قيمنا فلماذا يأتون للاستقرار في بلدنا «الكافر»؟!
ونلاحظ في الآونة الأخيرة أن التخوف الفرنسي هو الأكثر بروزاً على المستوى الأوروبي من «الإسلاموفوبيا»، لأن الجالية الإسلامية في فرنسا هي الأكبر على مستوى قارة أوروبا، وقد شهدت فرنسا خلال السنوات القليلة الماضية سلسلة من العمليات الإرهابية أودت بحياة مئات الأبرياء، ومَن قام بتنفيذها للأسف مسلمون، هذا بخلاف عشرات المحاولات التي أحبطتها الأجهزة الأمنية الفرنسية.
فرنسا تتعامل من مبدأ «دولة القانون»، وهي الثغرة التي يستغلها «الإخوان» لتنفيذ مخططاتهم عبر الاحتماء بالقضاء ضد كثير من قرارات الحكومية، تماماً مثل ما حصل عام 2004، عندما حظرت السلطات ارتداء الرموز الدينية في المدارس الحكومية.

*كاتب إماراتي