على الرغم من أن حديث الأمير بندر بن سلطان في البرنامج الوثائقي «مع بندر بن سلطان»، الذي عرضته «قناة العربية» قبل يومين، موجه للسعوديين في الأساس كما كان يؤكد الأمير أكثر من مرة، إلا أن أصداءه تجاوزت التأثير المحلي، ووصلت إلى مناطق واسعة في المشهد العربي، فالتعليقات التي تلت عرض أجزاء البرنامج الوثائقي الثلاثة جاءت من مختلف البلاد العربية، ومن مسؤولين كبار ومواطنين بسطاء لا تربطهم بالأمير بندر جنسية ولا مصلحة، كان من الواضح أن هناك جيوباً عربية كبيرة وكثيرة كانت تنتظر فقط من يبدأ بالكلام عن الواقع الفلسطيني الداخلي، لتبدأ في إظهار مشاعر «عدم الرضا»، التي كانت مدفونة لسنوات طويلة تحت رمال المجاملة وعدم الرغبة في التعبير عنها بصورة منفردة. 
الحديث لمن لم يشاهده، تناول المساعي السعودية لحل القضية الفلسطينية على مدى سبعين عاماً، وكيف أن هذه المساعي كانت تصطدم دائماً بالتعنت الفلسطيني تارة، وعدم تحمل المسؤولية تارة أخرى، وتطرق أيضاً لانفصال القيادات الفلسطينية عن واقع الشعب الفلسطيني، واستغراقها في تفاصيل معقدة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالقضية الفلسطينية، وعرّج كذلك في حديثه على مراهنة القيادات الفلسطينية على الطرف الخاسر دائماً ووقوفها معه ضد الأصدقاء الحقيقيين للشعب الفلسطيني، ابتداءً بسقوط مفتي القدس في أربعينيات القرن الماضي في أحضان الزعيم الألماني أدولف هتلر، وليس انتهاءً بهلهلة واحتفال ياسر عرفات (أبو عمار) باحتلال صدام حسين لدولة الكويت التي احتضنت طوال عقود العمل السياسي الفلسطيني، وبيّن في كلمات قليلة مدى خضوع وارتهان الزعامات الفلسطينية لبعض القيادات العربية، التي ظلت طوال سنوات تزايد على القضية الفلسطينية، وتمنع إيجاد الحلول لها من أجل مصالحها الخاصة، التي لا تتقاطع من قريب أو بعيد من المصالح الفلسطينية الخالصة.
كان الأمير شفافاً في حديثة، وغير متحفظ بالمرة، وهذا راجع ربما لكونه الآن خارج المسؤوليات الحكومية، وليس لديه منصب معين قد يفرض عليه نوعاً من القيود الديبلوماسية أو السياسية، وكان من الواضح أنه يتعمد التَبَسُط في الحديث لتصل رسائله بكل وضوح للشباب والشابات السعوديين الذين لم يسمعوا بهذه التفاصيل من قبل، ولم يكونوا على اطلاع بالأدوار التاريخية التي كانت تقوم بها قيادتهم السياسية في خدمة القضية الفلسطينية.
واليوم بعد هذا الحديث «الكاشف» والصريح جداً، أصبحت على المستوى الشخصي أكثر إيماناً بضرورة أن تتغير طريقة إدارة العرب لملف القضية الفلسطينية، وأقصد بالعرب، الحكومات العربية التي يهمها فعلاً إيجاد حلول نهائية للقضية الفلسطينية، تضمن للشعب الفلسطيني الوجود داخل دولته المستقلة بناء على «حل الدولتين»، الذي يظهر ويختفي بين آن وآخر.
أظن أنه قد آن الأوان لتشكيل «لجنة عربية دائمة» تحت مظلة الجامعة العربية، تتولى إدارة الملف الفلسطيني والتحاور وجهاً لوجه مع إسرائيل، لتفويت الفرصة أولاً على الأطراف العربية المُتاجرة بالقضية الفلسطينية، ولتجاوز الفشل المهني وغير الأخلاقي الذي رافق بعض القيادات الفلسطينية لزمن طويل.

*كاتب سعودي