في مجال العلاقات الدولية هناك مجموعة خيارات أمام الدول، من أجل بناء نسيج سياسي وسياج آمن لحسن التعامل، وفقاً لسيادة كل دولة على حدة، بما يتناسب مع مصالحها الذاتية.
فهناك من يتكئ على القوة الصلبة لفرض الأمر الواقع، ولو باللجوء إلى الحروب المدمرة، ويسمى ذلك «حرب السلام». ومجموعة أخرى من الدول، خاصة التي خاضت حربين عالميتين، وتسعى بالسلام الدائم لعدم تكرارها مهما بلغت حجم الخلافات البينية من الحدة، فبالسياسة الحكيمة يتلاشى دخان الحروب قبل اشتعالها.
فالإمارات اختارت لها طريقاً نسميه «حب السلام»، وهو نهج ذو الجلال والإكرام، فلا يخيب من اختاره، ولا يُعاب من سنَّه سياسة مستدامة في علاقاته الخارجية مع الجميع، وبتعبير آخر يمكن أن يصبح السلام مصدر اعتياد وإدمان. نستمد ذلك من التاريخ المعاصر، ومن واقع الحروب التي نشبت بين الدول لآماد بعيدة، ومن أبرز الأمثلة ما دار بين الدنمارك والسويد من حروب طاحنة، فقد بلغ عددها 29 مرة، ويزعم البعض أنهما حققتا رقماً عالمياً في هذه المسألة.
فالسلام الذي تريد الإمارات ترسيخ دعائمه، وتثبيت مبادئه يعتمد على ثلاث قواعد رئيسة هي:
أولاً:- ضرورة وجود ثقافة السلام لحل الصراعات.
ثانياً:- رسوخ الوشائج الأخلاقية المشتركة بين المجتمعات وقوة التزامها بقيم التعاون.
ثالثاً:- الاعتماد الاقتصادي المتبادل، بمعنى التعاون باتجاه المنفعة المتبادلة.
فهذه العناصر والأسس الثلاثة حلت محل الأسباب الممهدة للحروب بين الدول، فهي شروط ممهدة للسلام بينها.
وعلى هذا الأساس، فقد ازدهرت اليابان وألمانيا سلمياً بعد الحرب العالمية الثانية.
ويرى خبراء العلاقات الدولية أن الحرب «تصبح غير مرجحة عندما تَعتبر الدول أن الازدهار هو هدفها الرئيس، وعندما تقتنع بأن التجارة أفضل السبل لتحقيق هذا الهدف» 
في التاريخ الغابر للحروب العربية بين القبائل وليست بين الدول، أشهرها حرب «داعس والغبراء»، والتي سببتها ناقة في أحد سباقات الهجن، حيث استمرت 40 عاماً على وجه الإجمال.
يُقال بأن عدد الضحايا لم يتعد أصابع اليد الواحدة، لأن الحرب كانت عبارة عن مناوشات متقطعة استمرت تلك العقود، ولو كانت حروباً طاحنة لما كان لجنس العرب وجود اليوم. ونضيف هنا بأن حرب الأربعين عاماً تعتبر نزهة عابرة أمام حرب القبائل السويسرية، التي استمرت 300 عام بين الطليان والفرنسيين، وغيرهما من مكونات الشعب السويسري آنذاك.
ولم تتوقف تللك الحروب القبلية إلا بعد أن اقترح عليهم جان جاك روسو صيغة «العقد الاجتماعى» الفريد الذي حوّل سويسرا إلى فردوس أوروبا، بعد أن تم إرساء دعائم السلم الاجتماعي بين جميع فسيفساء المجتمع السويسري المعاصر، وقد انتهجت الحياد التام أثناء الحربين العالميتين، لأنها اعتبرت من ماضيها لبناء مستقبلها بالسلم الاجتماعي والسلام العالمي.
تدور مناقشة كبرى حول المصدر الرئيس للسلام، فالبعض يؤمن بالقوة الذاتية للأفكار، ويرجعون الفضل في السلام إلى تحولات فكرية، ويؤكد البعض الآخر على تحولات البنى المادية والاجتماعية.
وبتعبير آخر يؤدي تحول الأفكار دوراً في التحرك باتجاه السلام بين الدول، لا شك في ذلك، لكنه يفعل ذلك في ارتباط وثيق بالتحولات في البنى الاجتماعية والمادية.
فالأفكار والبنى كل منها يتغير، أن تحل الصداقة بين الدول محل العداوة، لكن الدول تتغير، وما من قانون منزرع في جوهر التاريخ ينص على أن الدول يتعين أن يحارب بعضها بعضاً على الدوام. فالإمارات اختارت أن يكون السلام مصدر إلهام لمستقبلها، وهي مدركة اتساقه مع سياساتها ونهجها.