لم يكن أحد يتوقع أن يكون 2020 هو العام الأصعب الذي يواجه العالم منذ عقود، فظهور فيروس كورونا المستجد شكل اختباراً صعباً، ليس فقط لمدى قدرة الدول على التعامل مع هذه النوعية من الأزمات الصحية المعقدة، واحتواء تداعياتها المختلفة، وإنما أيضاً على المضي قدماً في تنفيذ خططها التنموية ومشروعاتها الكبرى. وفي الوقت الذي أجبرت هذه الجائحة معظم دول العالم على إيقاف مشروعاتها أو إرجائها إلى أجل غير مسمى، فإن دولة الإمارات كانت استثناء من ذلك، وأثبتت بالفعل أنها نموذج في قوة الإرادة وتحدي المستحيل، فقد استطاعت أن تدير أزمة جائحة كورونا بكفاءة عالية، وتواصل مسيرة الإنجازات في هذا العام، الذي يشكل بالنسبة لها أهمية استثنائية، فهو «عام الاستعداد للخمسين»، الذي تتهيأ فيه للاحتفال بيوبيلها الذهبي في العام 2021، وهو العام الذي تستعد فيه أيضاً للانطلاق إلى رحلة تنموية رائدة للسنوات الخمسين المقبلة في كافة القطاعات الحيوية في مجالات الاقتصاد، والتعليم، والبنية التحتية والتكنولوجيا، والصحة، والإعلام وغيرها.
لقد نجحت الإمارات خلال هذا العام في اختبار تحدي كورونا، وأظهرت بالفعل أنها تمتلك منظومة قوية في إدارة الأزمات، وقدمت نموذجاً يحتذى به في إدارة هذه الجائحة، سواء من خلال سرعة الاستجابة، أو القرارات المدروسة، أو الإجراءات الاحترازية والوقائية الفاعلة، والتي كان لها عظيم الأثر في بث الطمأنينة بين أفراد المجتمع، مقيمين ومواطنين، وليس أدل على ذلك من تصنيفها في المركز الأول إقليمياً والتاسع عالمياً على قائمة أكثر دول العالم أماناً من كورونا، وذلك وفقاً لتحديث شهر سبتمبر 2020 للقائمة التي تنشرها مجموعة «ديب نوليدج» للأبحاث التقنية، وتقوم بتحديثها بصفة شهرية منذ مطلع يونيو الماضي.
وإذا كان الإنجاز هو معيار تقييم أداء الدول، خاصة في أوقات الأزمات، فإن دولة الإمارات واصلت خلال هذا العام أيضاً تنفيذ خططها التنموية ومشروعاتها الكبرى، فنجحت في إطلاق «مسبار الأمل»، رغم التحديات الصعبة، الفنية واللوجستية، وفي مقدمتها تعطل الملاحة الجوية وحركة النقل في مختلف أنحاء العالم، التي ترتبت على جائحة كورونا، هذا ومن المخطط أن يصل «مسبار الأمل» إلى مدار كوكب المريخ في الربع الأول من عام 2021، بالتزامن مع احتفالات دولة الإمارات بالذكرى الـ50 لقيام الاتحاد. كما حققت الإمارات إنجازاً تاريخياً آخر في شهر أغسطس الماضي، تمثل في نجاح شركة «نواة للطاقة» المسؤولة عن تشغيل وصيانة محطات براكة للطاقة النووية السلمية، في إتمام عملية بداية تشغيل مفاعل المحطة الأولى. كما واصلت الإمارات تقدمها في العديد من المؤشرات الدولية التي تقيس مستوى النمو والتطور في المجالات المختلفة، فحافظت على مكانتها ضمن أفضل عشر دول تنافسية في العالم خلال العام 2020، كما جاءت أيضاً في المرتبة الأولى عالمياً في 121 مؤشراً من بين أهم تقارير التنافسية العالمية، وتبوأت المركز الأول عربياً في 479 مؤشراً، كما دخلت نادي العشرة الكبار في 314 مؤشراً في مجال التنافسية. ولا شك في أن المراتب المتقدمة في هذه المؤشرات، إنما تعكس سلامة النهج الذي تتبناه الإمارات في التخطيط التنموي والاستراتيجي، كما تعبر في الوقت ذاته عن إرادة التحدي وثقافة التفوق والإنجاز والطموح اللامحدود، والتي تميز تجربة التنمية والتطور في الإمارات، والتي باتت نموذجاً يحتذى به على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ما حققته الإمارات من إنجازات نوعية عام 2020، وما وضعته خلاله من استراتيجيات طموحة لإدارة مرحلة ما بعد كورونا، يشير بوضوح إلى أن دولة الإمارات تدرك أن العبور للمستقبل يتطلب امتلاك أدواته المختلفة، من تخطيط استراتيجي وأداء حكومي متميز وعمل بروح الفريق وتبني ثقافة الإبداع والابتكار، وهذا هو السر في نجاح تجربتها التنموية، وطموحها اللامحدود في الحصول على المركز الأول في مختلف المؤشرات الدولية. عام 2020 يستحق أن نطلق عليه أيضاً بأنه عام «التحولات الكبرى»، ففيه انضمت الإمارات إلى عالم الكبار في مجالات الفضاء والطاقة النووية السلمية، والتي كانت حكراً في السابق على الدول المتقدمة، وفيه أيضاً وضعت منهاج العمل ودستور النجاح للخمسين عاماً المقبلة؛ تلك المرحلة التي تستعد خلالها الإمارات لانطلاقة تنموية كبرى. ولهذا، فإن هذا العام يمثل مبعث اعتزاز لكل أبناء الإمارات، وسيجعل من الاحتفال باليوبيل الذهبي لتأسيس دولة الاتحاد العام المقبل فرصة لهم لإظهار فخرهم بما تحقق من إنجازات ونجاحات خلال الخمسين عاماً الماضية، ولتأكيد استعدادهم لبذل كل غالٍ ونفيس من أجل تعزيز نهضة الإمارات، والارتقاء بمكانتها بين الأمم والشعوب، خلال الخمسين عاماً المقبلة.
*إعلامي وكاتب إماراتي