أنحاز دوماً للشباب، ولا أدخر جهداً لتحفيزهم كونهم يشكلون أحد أهم مصادر استثماراتنا، فالرهان كان ولا يزال عليهم كبيراً. وبالطبع فإن إصرار قيادة الإمارات على دعمهم يجسد خياراً مهماً من بين خياراتها الاستراتيجية التي تجني ثمارها تباعاً. 
اليوم أصبح الشاب الإماراتي أحمد المهيري الحاصل على جائزة نيو هورايزون للفيزياء وصاحب لقب «زميل أينشتاين» مضرب مثل جديد لنا. فإنجازه يعزز أهمية انتباه الحكومات العربية أكثر لشبابنا العرب، والإنصات لآرائهم، وتبنّي توجهاتهم كونهم جزءًا من الحاضر وكل المستقبل. 
نسبة الشباب في عالمنا العربي بمختلف شرائحه تقترب من نصف عدد السكان، وبالتالي يشكلون ثروة وطنية هائلة لا يمكن التغاضي عنها، وعليه لا بد من أن تقوم الحكومات بوضع تصور علمي واضح لكيفية الاستفادة منهم في القطاعات الحيوية بغية الاستفادة من طاقاتهم ومهاراتهم. 
من هذا المنطلق تأتي أهمية نتائج الاستطلاع حول أولويات الشباب العربي الذي أعلنه «مركز الشباب العربي» في الإمارات والذي شمل 7000 شاب وشابة من 21 دولة عربية ضمن الفئات العمرية بين 15 و35 سنة، وقد تم عرض أولويات الشباب العربي وفق قطاعات رئيسة تسهم في دعم صناع القرار والمسؤولين للتعرف على مختلف الأولويات من وجهة نظر الشباب أنفسهم.
هذه المبادرة الخلاقة تؤسس لضرورة الإنصات لأصوات الشباب، خاصة أن نتائجها عُرضت ضمن «مؤتمر أولويات الشباب العربي»، الذي عقد في أغسطس الماضي عشية اليوم العالمي للشباب. حيث كشف الاستطلاع عن قدر كبير من الوعي لدى شبابنا، كما أظهر أن الأمن والسلامة في مقدمة أولويات أبناء الجيل الحالي، إضافة إلى مطالباتهم بضرورة الاستثمار في منظومة التعليم وجودة الرعاية الصحية وتحسين مصادر الدخل، وفرص العمل، وتطوير القدرات الشخصية، وغيرها من مسارات العمل التنموي الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه في مجتمعاتنا العربية. 
ولا شك أن الأولويات التي وضعها الشباب، تنمّ عن وعيهم ونضجهم. إذ من دون توافر الأمن لا يمكن أن يحيا الاقتصاد ويتطور، بالتالي لا وجود للرخاء. والمدهش أن أولوياتهم تلك تنسجم مع أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2030، مما يؤكد لنا أن شبابنا اليوم يثبتون أنفسهم كقوة فكرية وإبداعية من خلال ما يكتسبونه من معرفة وما يحققونه من إنجازات محلية ودولية.
ولأن الشباب بما يختزنونه من طاقات وما يتمتعون به من حماس وهمم عالية وإرادات صلبة، فهم الركيزة الأساسية التي تقوم عليها عملية بناء الأوطان وحمايتها وتطورها. وعليه فقد عملت الإمارات على تمكين الشباب، وهي المسألة التي أرسى قواعدها، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان باستمرار يؤكد على أن (الشباب هو الثروة الحقيقية)، ويشرك تلك الشريحة في بناء الدولة والمجتمع، ويسهم في إطلاق طاقاتها من أجل بناء دولة الاتحاد وتحقيق الأهداف التي أقيم من أجلها. إذ لا دولة تكبر من دون أبنائها، ولا حاضر ينهض بعيداً عنهم، ولا مستقبل يُبنى بغيابهم، ومن يقول غير ذلك هو مخطئ. 
التاريخ مليء بالنماذج المشرقة على صعيد بناء الدول، ومن الضروري أن تكون تلك النماذج منارتنا نحن العرب كي نتقدم خطوة إلى الأمام بدل أن نتبع سياسة «مكانك راوح» أو «إلى الوراء در»، ولا يكفي أن تتقدم دولة عربية واحدة أو بضعة دول، فيما بقية الدول الأخرى تتراجع، ولهذا فإن المطلوب من الدول العربية كاملة وضع استراتيجيات بناءة من شأنها أن تمنح الشباب حضورهم ومكانتهم، وتقدم لهم كل ما يمكّنهم من النجاح، لأنهم بالفعل وفي واقع الأمر قوة معطّلة، ولو استُثمرت كل تلك القوة لأصبحنا في الصف الأمامي من حيث الإنجازات، ولاستطعنا بناء وطننا العربي الكبير وتحصينه، ولعدنا منارة للمعرفة وقاطرةً للتنوير.